من أعظم النعم التي أنعم الله بها علينا عز وجل أن فُطِرنا على الإسلام وولِدنا في أُسرٍ ومجتمع يدين بمُتمّم الأديان، وأن نشأنا وترعرعنا تحت ظلال وطن تُرفرف أعلامه بأول الأركان وتتشرف أرضه بتقديم باقة متكاملة من الخدمات رفيعة المستوى لضيوف الرحمن الذين يقصدون بيت الله عز وجل ليؤدوا مناسك الركن الأكبر من مختلف وشتّى الأوطان.
أقف إجلالاً لعظمة الخالق عز وجل عندما تتمثّل تلك الجموع الغفيرة التي أتت من أقصى الأرض وأدناها في صفٍ واحد، لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى فبالرغم من اختلاف ألوانهم وتعدد أجناسهم وتغاير لهجاتهم إلا أنهم يُجسّدون أروع مشاهد الربوبية لله سبحانه، وهنا تكمن عظمة الدين الإسلامي الذي أُرسل به خاتم الأنبياء والمرسلين، إذ إن المسلم عند قضائه لمناسك خامس أركان دينه تنطبع في مخيلته لقطاتٌ جمالية شديدة الإبهار حين يرى المسلمين في قمة الإذعان، لم ولن تباهيها ريشة أبدع الفنانين حتى وإن حققت أقصى معايير الجودة والإتقان، إنه لمشهدٌ حقاً عظيم ومهيبٌ جداً، حيث ترحل فيه القلوب إلى الله مودعة الدنيا ومافيها وهل هناك رحلة أعظم من هذه الرحلة السماوية للقلوب! التي تهنأ فيها برفقة رب العالمين.. وتحظى بمعية خالق البشر أجمعين.. ترحل قلوبهم إلى خالقهم وهي تُلبّي، مُعبّرةً عن حبها لخالقها بتكرار تلك التلبية طمعاً في أن يعودوا من فريضتهم كيوم ولدتهم أمهاتهم أشبه بصفحة بيضاء نقية لا تكدرها ولا تشوبها شائبة.
ومما أحببت التنويه عليه هنا، وعي الحاج أثناء تأديته لهذه الشعائر العظيمة، فنجاح موسم الحج يعتمد على ذلك وعلى إدراكه لمعززات النجاح، حيث إن المملكة قادرة بإذن الله وبفعل عطائها اللامتناهي على تنظيم موسم الحج ولكن ليست مسؤولة عن تنظيم وتوجيه عقل من لم يفقه عظمة هذه الشعيرة!! ولا ننسى أن نُشيد بدور قيادتنا الحكيمة التي تتشرف بخدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن، وأن نفخر برجال أمننا البواسل الذين يستقبلونهم بالترحيب وسعة الصدر وإيثارهم على أنفسهم، بل يجب أن نُعلّق صورهم ومواقفهم تلك على مشاجب الصدور، ولا أقول ذلك مجاملة أبداً بل اعتزازاً بكل شخصٍ منهم سطّر لنا أثناء قيامه بواجبه خلال هذا الموسم دروساً في الإنسانية على هيئة صور فوتوغرافية تسر الناظرين يحق لنا أن نفخر بها ونختال.