لم يعد مقبولاً الانصياع لقوانين وقرارات منظمات أممية؛ تتجاهل التعددية الدينية والثقافية للشعوب الأخرى؛ وتسعى من خلال فكر أحادي لفرض قوانين؛ تتعارض مع الشرائع الدينية وتتنافى مع أبسط القيم والأخلاق؛ فمبدأ التعاون والتكامل والشراكة الذي قامت عليه منظومة الأمم المتحدة؛ لا يستقيم مع ممارساتها في سن قوانين مصادمة للفطرة والأخلاق؛ ثم تمليها مستخدمة سلطة (الفيتو) واحيانا تمارس الضغوط على الدول الإسلامية الممانعة؛ بالتلويح بعصا القوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية؛ لتجبرها على توقيع اتفاقيات وقوانين دولية؛ غير متفقة مع شريعتها ولا تتناسب مع خصوصيتها الثقافية؛ فكثير من نصوص الوثيقة الأممية موجه لهدم بنيان المجتمع المحافظ وتقويض أساسه؛ والمتابع لبعض الأفكار والبنود لتلك القرارات؛ يجدها موجهة مباشرة للأسرة مع انتقائها وتركيزها على المرأة؛ فاستهداف الأسرة بقوانين تلغي قوامة الرجل داخل أسرته؛ وتلغي تشريعات الزواج وتسمح للمسلمة بالزواج من غير المسلم.. إلى آخر قوانين الانحلال الاخلاقي؛ مثل هذه القوانين هي بمثابة اعلان حرب على القيم ونسف للأسرة؛ وفيه دعوة مفتوحة لتوطين الرذيلة واشاعة الفاحشة؛ في مجتمعات ما زالت تحتفظ بكيانها المحافظ وبشخصيتها الدينية والاجتماعية المميزة!!
الغرب استطاع تفتيت الأمة الإسلامية جغرافيا؛ وزَرَعَ الطائفية والمذهبية في أرجائها ليزيد في تشتيتها؛ ولكنه عجز وفشل في محاولاته المتكررة لهدم حصن الأسرة المسلمة؛ الذي بقي صامدا عصيا على الإرادة الغربية؛ ومازال مقاوما ومتمسكا بقيمه وثوابته؛ ؛ وفي المقابل تتنوع محاولات الغرب في سعيه لمحاصرة الأسرة المسلمة؛ من خلال الوثائق والقوانين المناهضة لشرائع الإسلام وللفطر السليمة؛ يفعلون ذلك لمعرفتهم بمكانة الأسرة في منظومة القيم الاسلامية؛ فهي نواة المجتمع المسلم وخط دفاعه الأول وصمام أمانه؛ لذلك كانت الأسرة المسلمة هدفا وموضوعا حيويا؛ يسلط عليه الضوء في جميع المؤتمرات الدولية التي ترعاها الأمم المتحدة؛ والتي تنتهي بقرارات من شأنها تحطيم كيان الأسرة المسلمة!!
في جميع المحافل الدولية والمناسبات المحلية؛ كثيرا ما يردد قادة ومسولو هذه البلاد؛ رفضهم أي مساومة فيها مساس بـ(الدين أو الوطن) وهو مبدأ أخلاقي ديني ثابت في تكوين الشخصية السعودية بشكل عام؛ فالأمن والقيم والأخلاق لا يمكن التنازل عنها تحت ذريعة مواثيق منظمة دولية؛ هذا المضمون كان واضحا في موقف المملكة؛ والذي ترجمه وزير الخارجية السعودي من على المنبر العالمي عندما أعلن؛ (اعتراض المملكة على النصوص المعارضة للشريعة بوثيقة الأمم المتحدة)؛ وهنا رسالة احتجاج ورفض المساس بثوابت وقيم ميّزتْنا عن باقي المجتمعات؛ فالعلاقة الجنسية في المجتمعات المسلمة ليست مجرد لقاء اختياري؛ إنما مبنية على ميثاق غليظ ومضبوطة بإطارها الشرعي؛ تنظيم اجتماعي جعل مجتمعاتنا تنعم بالاستقرار والترابط الأسري!!.
موقف المملكة الرافض لاستبداد المؤسسة الدولية لم يكن وحيدا؛ انما سبقه موقف هز الأوساط الدبلوماسية؛ ويعتبر سابقة تاريخية واستثنائية في تاريخ الأمم المتحدة؛ فقد تخلت المملكة عن دبلوماسيتها الهادئة؛ عندما (رفضت العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي)؛ وكان هذا تعبيرا صريحا وشجاعا؛ عكس اقصى درجات استياء الشعوب المقهورة في عالمنا العربي والإسلامي واحباطها؛ إزاء تعامل مجلس الأمن غير الموضوعي تجاه قضايا امتنا؛ وازدواجية معاييره المطبقة حاليا التي أعاقت أداءه لالتزاماته؛ ولأنه لم يبق للأمة الإسلامية إلا كيانها الأسري؛ فقد تحملت المملكة مسؤوليتها الدينية والتاريخية؛ باعتبارها قلب العالم الاسلامي وأمله؛ وهي عضو مؤسس لهذه المنظومة الدولية؛ فعبرت نيابة عن الشعوب العربية والإسلامية؛ مطالبة بتصحيح اوضاع المؤسسة الدولية واعادة بنائها؛ لتحافظ على القيم والأخلاق؛ وترتقي بحقوق الانسان وتحقق له العدالة الاجتماعية؛ واذا لم تكن منظومة الأمم المتحدة ضمن هذا الاطار التي وجدت من أجله؛ فلن تكون ممثلة للشعوب ولا محققة لآمالها وتطلعاتها!!.