بعد أن قطع رئيس الوزراء البريطاني وعدا لا يقدر على الوفاء به، لا بد له الآن أن يلجأ من أجل المساعدة إلى مصدر وصفته مارجريت تاتشر بأنه مصدر معظم مشاكل العالم. هذا صحيح. هو الآن بحاجة إلى المساعدة من أوروبا.
وعد كاميرون الناخبين البريطانيين بإجراء استفتاء بحلول 2017 لتقرير بقاء أو عدم بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. والواقع أن الجدل حول هذا الموضوع بدأ بنشاط منذ الآن. لكن سبب مشاكله هو تعهد آخر قام به - وهو أن يَخضع الاتحاد الأوروبي إلى «تغيير أساسي وبعيد المدى».
لا يوجد أدنى شك في أن الاتحاد الأوروبي بحاجة ماسة إلى الإصلاح. مع ذلك لا تستطيع أي دولة من الدول الأعضاء أن تفرض التغيير على البلدان الأخرى الـ 27. الخروج من هذا الصندوق الذي وضع كاميرون نفسه فيه هو أن يقترح الاتحاد الأوروبي نفسه تغييرات كبيرة في الطريقة التي يدير بها الأعمال.
صحيح أن الموقف البريطاني تجاه أوروبا ليس من السهل قبوله. (ذات مرة قالت مارجريت تاتشر: "طيلة حياتي كانت جميع المشاكل تأتي من أوروبا القارية، وجميع الحلول كانت تأتي من البلدان الناطقة بالإنجليزية.")
لكن المطالبة بالتغيير لا تقتصر على بريطانيا. هناك حكومات أخرى تطالب بتغيير طريقة صنع السياسة، التي تقوم على التدخل من الأعلى إلى الأسفل، وهي طريقة أدت إلى القضاء على شعبية المشروع الأوروبي. على سبيل المثال، مطالبة بريطانيا بوضع قواعد جديدة للرعاية الاجتماعية للمهاجرين ليست جديدة بأي حال. أوروبا بحاجة ماسة إلى تحديث سياسات الهجرة فيها ككل، ويجدر أن تستخدم الاستفتاء البريطاني القادم ليكون محفزا لذلك.
لاحظ أيضا أن تاتشر، رغم كلمتها الواردة أعلاه، هي التي تزعمت الجهود لإنشاء سوق موحدة في الاتحاد الأوروبي. كذلك كانت بريطانيا محقة بخصوص الحاجة إلى تقليص النسبة السخيفة من ميزانية الاتحاد الأوروبي المخصصة للزراعة.
بصورة أوسع، مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي ستكون كارثة للاتحاد مثلما هي كارثة لبريطانيا. بريطانيا ليست جرينلاند، التي خرجت من الاتحاد في 1985. بريطانيا هي ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد، والمركز المالي المهيمن، وهي ضرورة أساسية لموازنة القوة الألمانية في الاتحاد. بدون بريطانيا، سيكون الاتحاد الأوروبي أضعف كثيرا من قبل، في وقت تزداد فيه التحديات الاقتصادية والأمنية.
باختصار: ينبغي أن ينظر زعماء الاتحاد الأوروبي إلى فكرة كاميرون على أنها فرصة لكي تنسجم طموحات أوروبا الفدرالية مع الواقع. ليس البريطانيون فقط هم من سيستفيد من إعادة هيكلة الاتحاد الأوروبي.
من جانبه، كاميرون بحاجة إلى أن يقول - قريبا - ما تحتاج أوروبا بالضبط أن تقوم به من أجل بريطانيا من أجل أن تظل مرتاحة في وجودها ضمن الاتحاد. كلما أسرع كاميرون وزملاؤه في الاتحاد الأوروبي بالإجابة عن السؤال الخاص بالإصلاح، ازداد الوقت التي سيتوفر لديه ولدى المؤيدين الآخرين للعضوية لتقديم حجتهم استنادا إلى الأسباب الموضوعية.