حذر خطيبا المسجد الحرام والمسجد النبوي من مخاطر الفتن وأفكار التطرف والإرهاب التي تضر الدين والدنيا، وتوبق العبد في الآخرة، وتفسد المعاش في الحياة. مشيرين إلى الفتن التي أخرجت بعض شباب المسلمين من محاضنهم الآمنة، ومحيطهم الحصين، ومجتمعهم الحاني، إلى انحراف الفكر الضال، اتباعا وموالاة لخوارج العصر، فقادهم إلى تكفير المسلمين، وسفك الدم المعصوم.
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور خالد الغامدي في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بالمسجد الحرام: إننا في هذا الزمان المليء بالفتن وأفكار التطرف والإرهاب، واتخاذ الناس رؤوساً جهالاً وأُغيلمة سفهاء الأحلام يفسدون ولا يصلحون ويهدمون ولا يبنون، لأشد ما تكون حاجتنا إلى اتخاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- قدوة وأسوة ومنهاج حياة، وإلى تعظيم مقام النبوة، والحذر الشديد من رد السنة والاعتراض عليها، وإن الأمة اليوم وهي تتعرض لمكائد الأعداء وظلم المعتدين المختلين في المسجد الأقصى وفي غيره من بلاد المسلمين أحوج ما يكون للرجوع إلى سنته صلى الله عليه وسلم وسيرته المباركة؛ لمعرفة المنهج الحق في التعامل مع الأعداء ومواجهتهم ورفع الظلم والاعتداء على الأمة، متأسيةً بسيد البشرية الذي بعثه الله رحمة للعالمين، ومقتدية بهديه في القيام بنصرة الإسلام وأهله ورفع الظلم والاعتداء عن المظلومين ورد كيد المتربصين والحاقدين.
وأضاف فضيلته: إنه مع إطلالة كل سنة هجرية تبرز لنا حادثتان عظيمتان غيرتا مجرى التاريخ: نجاة موسى عليه السلام وخروجه من مصر، ونجاة محمد -صلى الله عليه وسلم- وخروجه من مكة، مع أن زمن حدوثهما مختلف حيث كانت نجاة موسى في العاشر من محرم، ونجاة محمد في أوائل ربيع الأول إلا أن اعتماد الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للتاريخ الهجري من بداية محرم جعل هاتين الحادثتين تلتقيان فتذكران في بداية كل عام هجري، وأصبحتا من أهم الأحداث لما فيهما من التشابه والعبر والحكم والآيات الباهرات، ولذلك كان صيام عاشوراء سنة نبوية مباركة تؤكد عظيم الصلة بين النبي موسى والنبي محمد عليهما السلام. وتحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي عن فضائل الاستغفار، ووجوبه، وملازمة الأنبياء والرسل والأتقياء للاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله، مؤكداً حاجة العباد والأمة للتوبة وطلب المغفرة من الله تعالى لدفع البلاء، وكشف الضر، ودوام البركات. واستهل فضيلته خطبة الجمعة أمس داعياً المسلمين إلى تقوى الله بالعمل بمرضاته وهجر محرماته للفوز برضوانه ونعيم جناته، والنجاة من غضبه وعقوباته، مبيناً أن ربنا جل وعلا كثّر أبواب الخير وطرق الأعمال الصالحات تفضلاً ورحمة وجوداً وكرماً من رب العزة والجلال، ليدخل المسلم أي باب من الخيرات، ويسلك أي طريق من طرق الطاعات ليصلح الله دنياه ويرفعه درجات في أخراه، فيكرمه المولى سبحانه بالحياة الطيبة، والسعادة في حياته، وينال النعيم المقيم، ورضوان الرب بعد مماته. وبيّن الشيخ علي الحذيفي أن من أبواب الخيرات ومن طرق الصالحات والطاعات ومن الأسباب لمحو السيئات الاستغفار، إذ أن الاستغفار هو سنة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام. وبيّن فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي مشروعية طلب العبد المغفرة لذنب معين، كما أشار فضيلته إلى مشروعية طلب العبد من ربه سبحانه مغفرة ذنوبه كلها ما علم منها وما لم يعلم، إذ أن كثيراً من الذنوب لا يعلمها إلا الله، والعبد مؤاخذ بها. وقال الشيخ الحذيفي، إذا سأل العبد ربه مغفرة ذنوبه، ما علم منها وما لم يعلم، فقد وفق توفيقاً عظيماً، مبيناً أن دعاء العبد ربه مغفرة الذنوب دعاء إخلاص وإلحاح وسؤال تضرع وتذلل يتضمن التوبة من الذنوب، وسؤال التوبة والتوفيق لها يتضمن الاستغفار، فكل من التوبة والاستغفار إذا ذكر كل منهما بمفرده تضمن الآخر، وإذا اجتمعا في النصوص كان معنى الاستغفار طلب محو الذنب، وإزالة أثره، ووقاية شر ما مضى من الذنب وشرّه، مضيفاً أن التوبة هي الرجوع إلى الله بترك الذنوب ووقاية ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله، والعزم على ألا يفعله. وحذّر فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي من الفتن التي تضر الدين والدنيا، وتوبق العبد في الآخرة، وتفسد المعاش في الحياة، مبيناً أن السعيد من جنّب الفتن، وأعظمها أن يلتبس على المرء الحق والباطل، والهدى والضلال، والمعروف والمنكر، والحلال والحرام، مشيراً إلى الفتن التي أخرجت بعض شباب المسلمين من محاضنهم الآمنة، ومحيطهم الحصين، ومجتمعهم الحاني، إلى انحراف الفكر الضال، اتباعا وموالاة لخوارج العصر، فقادهم إلى تكفير المسلمين، وسفك الدم المعصوم، بل أفتاهم أولئك الخوارج بتفجير أنفسهم والعياذ بالله، متسائلاً فضيلته: "وهل يظن من يفجّر نفسه أن ذلك سبب لدخول الجنة، أما علم أن قاتل نفسه في النار؟ ثم قرأ (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا". وختم فضيلته الخطبة محذراً من قتل المسلم إذ أن ذلك سبب للخلود في النار، لقول الله عز وجل: "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا"، كما استدلّ بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة"، داعياً هؤلاء إلى أخذ العبرة مما مضى من أمثالهم الذين تعدوا حدود الله، فندموا حيث لا تنفع الندامة.