انتهت امبراطورية الهان بعد حوالي أربعة قرون من الحكم في عام 220م، وتفرقت إلى الممالك الثلاث، ومع أن فترة الفرقة هذه كانت قصيرة نسبياً، إلا أنها احتلت مكانة مهمة في الوعي الحضاري الصيني، وكتبت عنها إحدى أشهر الروايات الصينية وهي «رومانسية الممالك الثلاث». والتي تعد إحدى أهم أربع روايات في الثقافة الصينية ولذلك تم إنتاج العديد من الأفلام والمسلسلات المبنية عليها، بل تعدى أثرها إلى الحضارات المجاورة فنجد اليوم قصصاً مصورة وألعاب فيديو يابانية شهيرة مستوحاة منها. وتحكي الرواية عن بطولات القادة العسكريين وتكشف عن جانب عبقري من الدهاء الصيني، ومن القصص العجيبة المروية فيها أن أحد قادة الجيوش عندما سمع بمقدم جيش غاز لم يكن على استعداد لمواجهته أمر بفتح أسوار المدينة وبانصراف الحراس، وجلس على منصة مرتفعة فوق البوابة مع بعض أعوانه وقام بعزف آلة موسيقية في هدوء! وعندما اطلع القائد الغازي على هذه الحالة لم يجرؤ على الهجوم، ظناً منه أن هذا الوضع لابد أن يكون خدعة والمدينة محصنة، فأمر بالانسحاب في حين كان بإمكانه أخذ المدينة بكل سهولة! ومن القصص الأخرى أن جيشين التقيا عند أحد الأنهار عند حلول ضباب كثيف وكان الجيش المهاجم قد استنفد جميع ما لديه من السهام، فأمر قائدهم بوضع الدروع على بعض القش ليصبح شكلهم وكأنهم جنود ووضعهم في زوارق أرسلت من أعلى النهر. وعند مرورها بالجيش المعادي أمطرها بالسهام ظناً منه أنه هجوم عن طريق النهر، فما كان من الجيش المهاجم إلا أن ذهب لاستلام القوارب عند مصب النهر وجمع السهام لإعادة استخدامها والانتصار في المعركة!
عادت الصين إلى وحدتها في عهد سلالة الجين في عام 265م ثم تفرقت من جديد في عهد الممالك الشمالية والجنوبية في عام 420م. حيث تم احتلال شمال الصين من القبائل المجاورة شبه البدوية، وهاجر الكثير من الصينيين جنوباً. وفي الدول الجنوبية ازدهرت الفنون الصينية مثل الرسم والخط والأدب والشعر، ولعل هذا كان بسبب شعورهم بضرورة المحافظة على تراثهم.
ثم قامت سلالة السوي بتوحيد الصين مجدداً في عام 581م، ولكنها ما لبثت أن انتهت في عام 618م على يد سلالة التانق فيما شكل مرحلة ذهبية أخرى للإمبراطورية الصينية حيث امتد حكمهم لحوالي ثلاثة قرون. تخلل هذه الحقبة انقطاع في فترة حكم الإمبراطورة الوحيدة في التاريخ الصيني، وهي الإمبراطور «وو»، حيث لا تفرق اللغة الصينية بين المذكر والمؤنث في الألقاب! ولذلك لم يكن لقب «إمبراطورة» يستخدم في اللغة الصينية لزوجات الأباطرة، حتى للاتي حكمن منهن بشكل غير مباشر. وتذكر فترة حكم «وو» بشكل سلبي في كتب التاريخ الصينية.
وخلال عهد التانق كذلك حصلت المعركة الفاصلة بين الصين والمسلمين، حيث انتصر الجيش العباسي على الجيش الصيني خلال معركة نهر طلاس أو طراز في آسيا الوسطى (قرغيزستان حالياً) في عام 751م (133هـ). لكن نظراً لكبر التكلفة على الجانبين، كان ذلك آخر صدام بين الحضارتين، وتوقف توسع المسلمين شرقاً كما توقف توسع الصينيين غرباً، وأصبحت منطقة آسيا الوسطى إسلامية. وأنشئ خلالها عدد من العلاقات مع العالم الخارجي منها سفارة إسلامية؛ وأرسل عدد من الدول المجاورة، منها اليابان وكوريا وفيتنام، سفراء للتعلم من الصين وتم اقتباس الأحرف الصينية وطريقة البناء الصينية والعديد من الجوانب الحضارية مثل اختبار الخدمة المدنية وطريقة إدارة المؤسسات الحكومية البيروقراطية.