أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور سعود الشريم المسلمين بتقوى الله عز وجل والتمسك بالعروة الوثقى والحذر من المعاصي .
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام : إن النقص والتقصير طبيعة بشرية فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وإن الكمال لله وحده والعصمة لأنبيائه ورسله, وإن نظرة فاحصة في واقع المسلمين اليوم جموعاً وأفراداً دولاً ومؤسسات لتدرك أن عالماً يهيج بتزاحم متطلبات عملية دينية ودنيوية لهو أحوج ما يكون إلى ترتيب قائمة أولوياته وعدم الخلط بين مهمها وأهمها وفاضلها ومفضولها وأحوج ما يكون أيضاً إلى تحديد مستوى كفاءته أو الرضا بالحال أو الشعور بأن المجتمع برمته يمكن أن يصنف ضمن المجتمعات الإيجابية لا السلبية والجادة لا المهملة والمنجزة لا المسوفة، ولا يمكن لأي فئة كانت أن تصل إلى مثل تلكم النتيجة إلا بصدق نظرتها إلى معيار رئيس به يعرف السلب والإيجاب والإنجاز والفشل، إنه معيار الإهمال وموقف الأمة منه أفراداً وجماعات، والذي يعد قنطرة إلى الفشل والضياع والتسويف والتهوين، الإهمال الذي ما ترك بيتاً إلا دخله ولا نفساً إلا اعتراها ولا مجتمعاً إلا جثم عليه إلا من رحم ربي وقليل ما هم.
وأكد فضيلته أن الأمة الإسلامية تمتلك طاقات وقدرات في بنيها تؤهلهم إلى منافسة رواد الحضارة العالمية كما أنها تملك بكل جدارة صناعة مستقبلها العالمي بأيدي بنيها وعقول حكمائها شريطة أن يُلقي بالإهمال وراءها ظهرياً، فإن حسرة كل الحسرة والخجل كل الخجل أن يوجد لدى الأمة الفكرة والقدرة ثم هي تفتقر إلى الهمة بعد أن يغتالها الإهمال فيئدها وهي حية .
وأضاف أن الإهمال سلوك سلبي لا يسلم منه المجتمع ولا يكاد فمن نقل منهم ومن مكثر ومن المحال أن تنشد الأمة تماماً لا إهمال معه كما أنه من الغبن والدنية أن تقع الأمة في إهمال لا جد معه وإنما في التسديد والمقاربة بحيث لا يتجاوز المرء الطبيعة البشرية المطبوعة بالنقص ولا ينساق مع الخمول فلا يعرف عنه الجد والوعي.
وقال إن الإنسان من طبيعته الظلم والجهل (إنه كان ظلوماً جهولا) ففي الإهمال يتحقق الوصفان ظلمه لنفسه بتمكن صفة الإهمال منه والتراخي معها، وكذلك وصف الجهل وهو الجهل بعواقب الإهمال بالكلية أو الجهل بحجمها وكلاهما سالب مذموم، وأحسن وصف يكشف هذه الحال قول النبي صلى الله عليه وسلم ( كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) رواه مسلم، فالبائع نفسه هو الجاد العامل والموبق نفسه هو الخامل المهمل سواءً أكان إهماله ذاتياً أو مجتمعياً بمعنى أن يكون طبع المجتمع ومنهجه العلمي والتعليمي سيئاً مساعداً مع إهماله الذاتي وهنا تكمن المشكلة ويتسع الخرق والفتق على الراتق .
وأشار فضيلة الشيخ الدكتور سعود الشريم إلى أنه لقد اجتمع في ذم الإهمال النصوص الشرعية والأدلة العقلية وأقوال الحكماء والشعراء ولم يمدح قط إلا في قواميس الكسالى ومعاجم القعدة الخوالف فمنهم من أهمل دينه وجد في دنياه ومنهم من أهمل دنياه وجد في دينه ومنهم من أهمل الأمرين معاً فخسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.
وقال إنه ما من مصيبة أو فشل بالأمة أو بأحد من أفرادها إلا والإهمال ضارب بأوتاده فيهما إما بإهمال غفلةٍ أو إهمال قصد إذ لا تحيط بهم مثل هذه النوائب إلا بإهمالهم في إيجاد أسباب دفعها قبل وقوعها أو على أقل تقدير في إيجاد أسباب رفعها بعد الوقوع، لكن النفس إذا ألفت السكون والدعة توالت عليها نوائب النقص والمحن حتى تستمرأها فتلغ في حمأها وحي لا تشعر ثم لا يخيفها أي خطب بعد ذلك ولا تكترث به ,لذا كان واجباً على الأمة أفراداً وشعوباً قادةً وعلماء وآباء ومعلمين ونحوهم أن يعوا خطورة تفشي داء الإهمال بين ظهرانيهم فما سبقنا غيرنا في دنياهم إلا بمدافعتهم له، وما تأخرنا في دنيانا و آخرانا إلا بتراخينا معه ولو أدركت الأمة هذه الغاية لأبصرت عدوها من صديقها ونجاحها من فشلها ولا استسلمت ذا ورم ولا حسبت كل سوداء فحمة أو كل بيضاء شحمة ولا انطلقت في ميادين الدنيا والدين تنهل مما أفاء الله عليها منهما.
وأوضح فضيلته أن الإهمال والتفريط واللامبالاة كلها تدل على تضييع الأمور الصالحة وتفويتها والزهد فيها وما هذه من صفات المؤمنين الواعين، فإن المؤمن الواعي هو من يدرك أنه محاسب على كل شيء ضيعه مما يجب ألا يضيع من دينه ومصالح دنياه مجتمعاً كان أو مؤسسة أو فرداً فإنهم في الحكم سواء، فإن الوعي والعزيمة ينفيان الإهمال كما ينفي الكير خبث الحديد بالوعي والعزيمة يفر المرء من داء الكمال الزائف الذي يغري المصابين به بأنه ليس ثمة دواع إلى تصحيح الأخطاء وثلم الثقوب بالوعي والعزيمة اللذين يدلان صاحبهما على التمييز بين الأهم والمهم والفاضل والمفضول، الوعي والعزيمة القاضيين على التسويف القاتل في تأجيل عمل اليوم إلى الغد ما تستطيع فعله بعد غد فضلاً عن شعار من جثم الإهمال على أفئدتهم فصار شعارهم لا تؤجل إلى الغد ما تستطيع فعله بعد غد .
وأشار إلى أن الشرعية الإسلامية مليئة بالنصوص الدالة على وجوب الجد والاجتهاد والنهي عن الإهمال والتفريط والتسويف وإن من أجملها على مستوى الأفراد قول النبي صلى الله عليه وسلم ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) رواه مسلم.
كما تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالمحسن القاسم, عن فضل الاستعاذة بالله, قال تعالى حين تكبّر فرعون وقومه على دعوة موسى عليه السلام على لسان موسى ( إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ), واستعاذ عليه السلام من أذية فرعون وجنده له فقال ( إني عذت بربي وربكم أن ترجمون ), ومريم حين جاءها الملك لينفخ فيها الروح فقالت ( إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً )
وبين فضيلته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثير اللجوء إلى الله تعالى في كل أحواله فيستعيذ بالله إذا أصبح وإذا أمسى وإذا سافر وفي الحرب والسلم وإذا أخذ مضجعه للنوم أو استيقظ وعند دخوله الخلاء وإذا مر بآية عذاب وفي سجوده وجلوسه وإذا رأى ما يكره لجأ إلى الله واستعاذ به وكان عليه الصلاة والسلام لايدع شراً إلا استعاذ بالله منه كان صلى الله عليه وسلم يقول ( وأعوذ بك من الفقر والكفر والشرك والنفاق والسمعة والرياء ) وأنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه ذلك ويحثهم عليه ويعوذ الصغار فكان يعوذ الحسن والحسين ويقول إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة .
وأشار إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغرس في نفوس أصحابه عظم شأن الاستعاذة بالله فيقول ( من استعاذ بالله فأعيذوه ) .
وقال فضيلته إن حكمة الله قضت أن يكون للمسلم عدو من شياطين الإنس والجن قال سبحانه ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ), والشيطان هو العدو المبين للإنسان وهو أساس كل شر وهو يسعى بكل سبيل للضرر بالعبد وشقائه ولا نجاة منه إلا بالله وقد أنزل الله في شأنه سورة كاملة في الاستعاذة من شره ومن شر أتباعه ( قل أعوذ برب الناس ) .
وبين أن من اعتصم بالله فلا سبيل للشيطان عليه ( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) .
وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن المسلم أمر أن يستعيذ من همزات الشياطين ومن نزغاته ووساوسه ( وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين ) .
وبين فضيلته أن أعظم مقاصد الشيطان إغواء بني آدم قال تعالى ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين ) وقال عليه الصلاة والسلام ( يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا وكذا حتى يقول لهم من خلق ربك فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينتهِ ) .
وقال فضيلته إن الله أمر بأوامر في محاسن الدين وكسب قلوب الناس للإسلام من الصفح وأمر بالمعروف والإعراض عن الجاهل, والشيطان يصد عن ذلك ولا مخرج إلا بالاستعاذة منه قال تعالى ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) .
وكلما كان العمل أنفع للعبد وأحب إلى الله كان اعتراض الشيطان له أشد ففي الصلاة يوسوس للمصلي قال صلى الله عليه وسلم ( ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثاً ) وعند قراءة القرآن تشرع الاستعاذة منه قال تعالى ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) .
وبين فضيلته أن أماكن الخلاء تكثر فيها الشياطين والعصمة منهم في الاستعاذة بالله ففي الحديث, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَل َالْخَلَاءَ قَالَ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ", "وقال أبوبكر يارسول الله مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت قال قل ( اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه, قال قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك ) .
وختم فضيلته ببيان أن من تعلق بغير الله واستعاذ به لجأ إليه وكله الله إلى ما تعلق به وخذل من جهة ما يتعلق به وفاته فحيصل مقصوده من الله بتعلقه بغيره والتفاته إلى ما سواه قال سبحانه ( واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لايستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون ) .