أطلق الرومان «جنة على الأرض» على «أتاليا» بعد أن اكتشفوها تحت مُنحدرات ساحلية في منطقة جبلية على ساحل البحر الأبيض المتوسط في جنوب غرب تركيا الحالية، وفي بداية القرن الثالث عشر غزا السلاجقة الأتراك المدينة حيث نجح القائد «كيخسرو الأول» في السيطرة عليها ولتصبح جزءاً من الدولة السلجوقية فالعثمانية حتى تفككت، وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى تم احتلالها من الإيطاليين واليونان لعدة أشهر حتى قاد «أتاتورك» حملة أناضولية انتهت بطردهم منها، حيث تم تأسيس الجمهورية التركية في أكتوبر من العام 1923. ويسمي البعض «إنطاليا» جوهرة البحر الأبيض المتوسط الحضارية والثقافية حيث تحوي المآثر والثقافات اليونانية والرومانية والبيزنطية ثم الحضارة الإسلامية عبر السلاجقة والعثمانيين.
تجاور «إنطاليا» شلالات «مانافغات» الشهيرة بقدرتها على جذب السياح وهواه التزلج على الماء، وكذلك ارتباط اسمها بمشروع «مياه السلام» منذ عهد رئيس الوزراء ثم الرئيس الراحل «تورغوت أوزال» والذي كان يهدف لتحويل 6 ملايين م3 من المياه يومياً من نهري سيحان وجيحان في تركيا إلى كل من سوريا والأردن، وأراضي السلطة الفلسطينية وإسرائيل، إضافة إلى دول الخليج من خلال أنابيب كان مخططا أن يبلغ طولها الإجمالي 6600 كم، لتلبي استهلاك ما بين 14-17 مليون نسمة من سكان تلك الدول مجتمعة.
تتمازج الثقافات وتتنوع الأديان ويتميز أهل أنطاليا بالتسامح الديني والثقافي وهي المدينة التى ينحدر منها وزير الخارجية التركي السابق «مولود جاويش أوغلو» وتشتهر انطاليا بالعلاقات مع الجوار القريب والبعيد حيث تحتفظ المدينة بعدد من المدن «الشقيقة/ التوأم» ومنها «إسرائيل يام» ويطلق البعض على انطاليا عاصمة «السياحة الإسرائيلية» حيث يصل معدلهم سنوياً لنصف مليون سائح، ويعزز ذلك قربها حيث تبعد 650 كلم بالطائرة عن تل أبيب، والعجيب أن «أنطاليا» هي ايضاً أكثر الأماكن جذباً للسياح الإيرانيين حيث زارها ما يقارب 150 الف إيراني خلال العام 2014، وهي أكثر مدينة شرق أوسطية يختلط فيها الإيرانيون والإسرائيليون والعرب، وتتميز إنطاليا بأنها احدى المدن التركية والتى يمكن السفر من مطارها إلى تل أبيب أو طهران في نفس الوقت حيث يمكن مشاهدة الإسرائيلي والإيراني وبجوار السعودي والامريكي والصيني في مطار واحد وحيث تختفى الفروقات الدينية والمذهبية ويطغى التعايش ولو لأسباب عملية وبصفة مؤقتة.
الأحد الماضي انطلقت قمة دول مجموعة العشرين وسط إجراءات أمنية مشددة لم تشهدها المدينة المتسامحة منذ عقود، وعلى أمتار فندق «توب كوبي بلاس» حيث لا يهم «مصطفى» النادل ما يدور بالقرب منه من اجتماعات ومشاورات واتفاقات يرى أنها «مجرد مسرحيات ومشاهد لا بد من متابعتها تلفازيا وصرف الملايين من الدولارت لضمان نجاحها، ففي النهاية العالم يتحول تدريجياً لأقل أمنا وتسامحاً وهدوءاً»، وتتفق معه النادلة «بتول» وهي تقدم مشروباً لسائح ألماني يظهر عليه بعض القلق من وجود «عربي» يجلس بجواره لتؤكد قائلة: «يكفي سياسة فالسياسة لا تأتي إلا بالخلاف والشقاق والخوف، دعوا السياحة تجمعنا كبشر وحيث تأتي بالانسان والمال والازدهار والسعادة».
يودع مصطفى ضيوفه بابتسامة مُداعباً لهم «عودوا المرة القادمة كسائحين وليس كسياسيين فبسببكم سمعنا عن القبض على عناصر داعشية في مدينة التسامح والتعايش قبل اسبوعين!»، نعم يوجد في انطاليا ما هو افضل من السياسة والتى كلفت أخطاؤها البلاد كثيراً، نعم يوجد في «انطاليا» التعايش والتسامح والقدرة على احتواء الجوار القريب والبعيد عبر «دبلوماسية السياحة» والتى تأتي بالمال والأصدقاء والمرح.