منذ أن سعدت بمعرفتك قبل خمسة وأربعين عاما وتوطدت العلاقة بيننا منذ ما يزيد على ربع قرن، شهدت السنوات الخمس الأخيرة تميزا وحميمية فأصبحنا أكثر التصاقا، ونشعر بالأخوة والمحبة تجاه بعضنا البعض. كنا نتبادل أطراف الحديث والآراء في الكثير من القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تهم البلاد والعباد. عهدت فيك الوفاء والاخلاص بكل معانيه وحرصك الدؤوب على فعل الخيرات وأداء الواجبات تجاه جميع معارفك في الأفراح والأتراح.
مررتَ في السنوات الأخيرة بظروف صحية، وما كان يمضي شهر الا وتكون في المستشفى تخرج منه أقوى ايمانا وأشد عزيمة وحرصا على أداء واجباتك الدينية والاجتماعية. عرفت عنك أنك عندما تكون في المشفى وتأخذ بعض المهدئات كنت أول ما تسأل من حولك عن وقت الصلاة لتبادر بالقيام بها. كنت وفيا لمحبيكم فإذا علمت ان أحدهم انتقل الى رحمة الله أثناء تواجدك في المستشفى كنت عند خروجك وقبل أن تدخل منزلك تذهب إلى منزله مباشرة لتقوم بواجب العزاء لأهله وأبنائه.
لقد كنت حريصا على أداء العمرة بالرغم من الظروف الصحية التي كنت تمر بها، وكان جميع من حولك يشفق عليك من مشاق السفر الى مكة المكرمة، وكثيرا ما كان أهلك يتصلون بي في هذا الشأن لعلي أفلح في اقناعك أن صحتك لا تسمح لك بالسفر، لكنك نادرا ما كنت تأخذ بمشورتي وتصر على أداء العمرة، وتعود منها بارتياح وسعادة على أن مكنك الله تعالى من أداء هذه الشعيرة.
كنت حريصا «تغمدك الله برحمته» علي مشاركة أصدقائك أفراحهم، وذات مرة كنت- ولعارض صحي- ملازما الفراش في المنزل، فعلمت بزواج ابن أحد أصدقائك فأصررت على الخروج ومشاركته الفرحة بزواج ولده شخصيا، حاول أفراد عائلتك اقناعك بعدم الذهاب وأبعدوا جميع السيارات عن المنزل بما فيها سائقك وسيارتك الخاصة، فما كان منك ومن فرط حرصك على أداء الواجب إلا أن خرجت وطلبت من أحد العمال أن يأخذك بسيارة الوانيت إلى موقع الحفل لتهنئة صديقك بزفاف ولده.
لقد كنت ودودا بشوشا عند لقائك أصدقاءك ومحبا للفكاهة الخفيفة والبريئة. شخصيتك المتواضعة ودماثة أخلاقك جعلت كل من عرفك أو سمع بك يحبك. ولعلي لا أنسى أنه في يوم تكريمي من صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية، فوجئت أنك في مجلس الاثنينية، أبيت الا الحضور بالرغم من ظروفك الصحية لمشاركتي فرحة التكريم لقد كنت صبورا محتسبا، ولن أنسى ما حييت أيام العزاء الثلاثة التي لازمتك فيها عند وفاة ولدك فؤاد يرحمه الله أنك أثبت قدرة وصبرا عظيمين وايمانا قويا بقضاء الله وقدره. ومساء يوم العزاء الأخير تحدثت اليك حديث الأخ لأخيه فانهمرت دموعك على فقدان فؤاد وكنت تردد على مسامع من حولك دعوات «الحمد لله على كل حال» و«اللهم ارحمه برحمتك واعف عنه واغفر له».
لقد تركت خلفك عائلة كريمة تربت على الخير وعلى محبة الآخرين. فحرمك المصون أم فيصل امرأة محافظة متدينة وقفت بجوارك طيلة حياتك في السراء والضراء وفي صحتك ومرضك. ولعلي أذكر مرة أنني زرتك في مستشفى المواساة بالدمام ووجدتها في الصالة تقرأ القرآن الكريم سلمت عليها ورجوت الله أن يجعل في كل حرف تقرأه ثوابا بالصحة والعافية لأخينا العزيز أبي فؤاد. وبعد عودتي الى منزلي وجدت هدية ثمينة منها، نسخة من المصحف الشريف «مازلت وسأبقى أحتفظ بها».
أخي العزيز، ان من خلف ما مات، فابنك فيصل يحفظه الله والذي وجهته وربيته أحسن التربية أثبت رجولة أثناء تقبل العزاء بك مستقبلا الأمراء وكبار الشخصيات متحدثا اليهم بكل صبر وايمان وثبات. اما بناتك العزيزات يحفظهن الله وبعضهن يعملن معك في تجارتك فسمعتهن طيبة عطرة، متمسكات بالدين وحريصات على الالتزام بالتعاليم الاسلامية السمحة. وأذكر انه أثناء اجراء عملية جراحية لأخيهن فؤاد يرحمه الله في لندن زرته مرتين وكنت في كل مرة أجد أخواته بجواره يقرأن القرآن ضارعات الى المولى عز وجل أن يمن على أخيهن بالشفاء.
أخي أبا فؤاد، ان الناس جنود الله في أرضه ومن أحبه الله أحبه خلقه. ان الجموع الغفيرة التي امتلأ بها جامع الامام فيصل بن تركي بالدمام والذين حضروا الدفن في المقبرة وفي مقدمتهم فضيلة الشيخ عبدالرحمن الرقيب رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة الشرقية الذي أخبرني أنه قد تمت الصلاة عليك خمس مرات قبل وبعد الدفن. كما ان الأعداد الغفيرة التي شاهدتها طيلة أيام العزاء وفي مقدمتهم صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية وحديث سموه عن مآثرك ومناقبك الطيبة وكذلك صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن بدر، وكيل الحرس الوطني للقطاع الشرقي وأصحاب الفضيلة العلماء وأعضاء السلك الدبلوماسي وأصدقاؤك من دول مجلس التعاون في عمان والامارات وقطر والبحرين والكويت. لقد حضر الى بيت العزاء الكثير من أهل الأحساء الذين لا يعرفونك شخصيا بل حضروا للقيام بالواجب لما سمعوه عنك من طيبة ومحبة للناس والدعاء لك بالمغفرة ان شاء الله تعالى.
إلى جنات الخلد أخي أبا فؤاد ورحمك الله رحمة واسعة.