DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

المصريون أثناء تظاهراتهم ضد الرئيس السابق حسني مبارك

لعلها نهاية خريف.. وأسبوع دموي بامتياز

المصريون أثناء تظاهراتهم ضد الرئيس السابق حسني مبارك
المصريون أثناء تظاهراتهم ضد الرئيس السابق حسني مبارك
أخبار متعلقة
 
أسبوع دموي بامتياز، ساحته بيروت وباريس، والفاعل في الحالتين تنظيم داعش. وفي ربوعنا حصد الإرهاب شهيدين، من رجال الأمن البواسل، استشهدا أثناء تأدية واجبهما. ومن المؤكد أن عمليات هذا الأسبوع، لن تكون نهاية المطاف، وستعقبها حوادث أخرى، ربما تكون أكثر شراسة وعنفا. لكن المهم في هذا السياق، هو الوعي الجماعي العالمي، الذي تحقق مؤخرا، بمخاطر الإرهاب، وضرورة تشكيل تحالف دولي قوي للقضاء عليه. لقد أكدت حوادث الإرهاب، منذ بداياتها، أن الإرهاب ليس له جنسية، ولا يستهدف مكانا محددا بذاته، وأنه خطر على الإنسانية جمعاء. وليس تنظيم داعش، وإن كان حاليا هو الأقوى والأعنف، سوى واحد من أوجهه. التصدي لقواعد الارهاب وافكاره الأهم في التصدي له، ليس المعالجة الأمنية في الميدان، والتي باتت مهمة ملحة لا يمكن الفكاك منها، بل التصدي لقواعده ومنطلقاته الفكرية, فالأسماء يمكن أن تتبدل وتتغير، لكن القواعد الفكرية تظل ثابتة، وأساس هذه القواعد، تقسيم العالم إلى فسطاطين، فسطاط الشرك ويتمثل في كل من يرفض نهج العنف والتكفير، ونهج الإيمان ويتمثل حصرا في تنظيمات التظرف والإرهاب. فليس صحيحا ربط انتشار ظاهرة الإرهاب، بتشكيل تنظيم القاعدة وبعودة ما عرف بالعرب الأفغان إلى بلدانهم، بعد انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان. فقد شهدت أرض الكنانة، منذ النصف الأخير من سبعينيات القرن المنصرم، تشكل تنظيمات إرهابية، تحت مسميات مختلفة، أبرزها جماعة الهجرة والتكفير. وكان اغتيال الرئيس أنور السادات، في أوائل الثمانينات من أبرز العمليات الإرهابية التي أقدمت عليها تلك المجموعات. إلا أن بروز الإرهاب، بطابعه السلفي المتزمت، المتخفي براية الإسلام، كظاهرة عالمية ارتبط بهزيمة السوفييت، بعد منازلات دموية قاسية. وكانت حوادث 11 سبتمبر عام 2001 أعلى ما وصلته العمليات الإرهابية، عالميا، قبل انبثاق ما أصبح متعارفا عليه بالربيع العربي. الاحتلال الأمريكي للعراق خلال السنوات الأخيرة، وإثر الاحتلال الأمريكي للعراق، تصاعدت الأعمال الإرهابية بالوطن العربي بشكل غير مسبوق، حاصدة آلاف القتلى. ولكن انطلاق الحركة الاحتجاجية في نهاية عام 2010 في عدد من الأقطار العربية، والتي حملت مسمى «الربيع العربي»، شكلت نقطة فارقة في أنشطة المنظمات الإرهابية، المتلفعة بالإسلام. فقد بات لها قواعد ثابتة في ليبيا والعراق وسوريا واليمن، ومؤخرا في بعض مناطق سيناء. وأمست تسيطر على عشرات الاف الكيلومترات. ومارست دور الدولة في عدد من المحافظات في البلدان التي أشرنا لها. وخلال السنوات المنصرمة، فشلت الحرب المعلنة على الإرهاب، على الصعيد المحلي والدولي. وليس من شك في أن ذلك الفشل، يعود لغياب التقييم الدقيق تجاه ممارسات الإرهاب، وخطورته على الجميع. وقد أدى ذلك لاتخاذ مواقف تتسم بازدواجية المعايير تجاه سلوكها. فهي حركات جهادية مناهضة للاستبداد، حين يكون موقفنا مناهضا للنظام الذي تحاربه قوى الإرهاب. وهي حركات إرهابية بامتياز، حين تحارب نظما سياسية صديقة، مع أن تلك المجموعات تسلك ذات الأساليب، والمواقف في كل الحالات. فجميع الحركات الإرهابية، التي برزت بعد ما عرف بالربيع العربي، تتصف بالتعصب والضيق بالرأي الآخر، وتكفر المجتمع، وتعمل على تفتيت المجتمع وإلغاء الهوية الوطنية. لكن المصالح الضيقة وضبابية الرؤية، هي ما تدفع إلى التمييز بين فريق إرهابي وآخر. رفع السلاح من قبل المجموعات الإرهابية، في وجه الدول، من شأنه أن يسهم في شيوع الفوضى، وتهديد أعراض الناس وأرواحهم وممتلكاتهم. وينبغي في هذا السياق التمييز بين الكفاح الوطني ضد المحتل، الذي هو في النتيجة توجه نحو بناء المستقبل، وممارسة تقرها شرعة الأمم لحق تقرير المصير، وبين استخدام السلاح ضد الدولة. ففي الأولى دفاع عن النفس ويحظى في الغالب بإجماع وطني، فيصبح الشعب بأسره حاضنة اجتماعية لهذا الكفاح. أما في الحالة الأخرى، فإنه إرهاب موجه ضد الدولة، التي هي بحسب رؤية علماء السياسة والاجتماع، أرقى ما وصل إليه التطور الإنساني، من تنظيم وإدارة للعلاقة بين أفراد المجتمع الواحد. وأنها والحالة هذه، فوق المجتمع، وقراراتها حتى وإن كانت موضع جدل وخلاف، لكن الدولة في النهاية هي الضامن لأمن المجتمع واستقراره. انهيار الدولة يعني العودة لصيغة المجتمعات البدائية، وتهديد الأمن، وتعطيل مصالح الناس. وهو أمر لا يخدم نهوض المجتمع، ويعطل تنمية المجتمع ونماءه ونهضته. لقد مر الربيع العربي، وبشكل رئيسي، ببلدان خمسة، هي تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، في شكل حركات احتجاجية، سلمية في بداياتها، انتهت في تونس ومصر بتنحي قمة الهرم، وعبور مرحلة انتقالية. تكللت بالنجاح في تونس، وتعثرت في مصر، لتشهد تحولا آخر، في 30 يونيو 2013. واتجهت مصر مجددا نحو استكمال مرحلتها الانتقالية، ولم يتبق سوى إجراء الانتخابات النيابية. لقد نشطت جماعة الإخوان المسلمين، مع انطلاق الحركة الاحتجاجية، واستثمرت حالة الاحتقان الاجتماعي والسياسي، للقفز للسلطة، باستخدام الوسائل السلمية وغير السلمية. لكن الدولة العميقة في مصر، وقفت بالمرصاد لتطلعات الجماعة، ولم تمكنها من تحقيق أهدافها. فقد تسلم الجيش قيادة المرحلة الانتقالية، وحال دون انهيار الدولة. وبالمثل وقف الأمن التونسي، وشكل سدا منيعا حال دون انهيار الدولة. ولكن ذلك لم يتم من غير كلف قدمها البلدان، في مواجهة التطرف والإرهاب، المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين. عسكرة الانتفاضات العربية في الحالة الليبية، استخدم العنف من قبل السلطة ومن الثائرين أيضا، الذين تشكلت بعض قيادتهم من جماعات عرفت بعلاقتها بالقاعدة. وحدث أن استراتيجية الدول الكبرى، رأت مصلحة لها في إزاحة النظام القائم فتدخلت للإطاحة به، وانحازت للتنظيمات الليبية المتطرفة. والنتيجة هو انهيار الدولة الليبية وغرق البلاد في بحور من الفوضى. في سوريا واليمن، صمدت الدولة ولكن دورها بات ضعيفا، وجرى تدوير للقوى التي تصدرت ما عرف بالثورة السورية، حيث لم تعد الأهداف التي طرحتها الحركة الاحتجاجية في البلدين الشقيقين تطرح الآن مطلقا، في أدبيات عناصر الإرهاب، التي فاقت في جرائمها وأفعالها الشنيعة، ما يمكن لأي عقل تصوره. عسكرة الانتفاضات العربية، أدت لشيوع ظواهر الإرهاب، بالشكل الحاد الذي بلغ عليه الآن. وهزيمة الإرهاب تقتضي التمييز بين الثورة والإرهاب، وإعادة الاعتبار للدولة، باعتبارها الجامع والضامن لأمن المجتمع ومستقبله واستقراره. والنتيجة أننا شهدنا طوفانا عاتيا، عصف بأجزاء كبيرة من الوطن العربي. نظم سياسية تهاوت، وهويات غابرة طفحت، باندفاعات صاروخية. والدولة القطرية، التي أخذت مكانها في الواقع العربي، أمسى بقاؤها أمنية وضرورة، ومطلبا لكل من يؤمن بمستقبل هذا الجيل، والأجيال القادمة. ويقينا أن تجاوز ما يجري من انهيارات، وإعادة الاعتبار للهويات الوطنية، التي ارتبط حضورها مع مرحلة الانفكاك عن الاستعمار، تقتضي تشخيصا دقيقا لما يجري. لكن التشخيص ليس بالأمر السهل، ودونه كثير من المتاهات والأسئلة. هل ما يجري حقا هو صراع هويات؟! أم هو مؤامرة خارجية، أم شيخوخة نظم؟! ولماذا في هذه المرحلة بالذات؟!. ضعف التشكيلات الاجتماعية، هو سبب التشرنق في الماضي، والعجز عن اللحاق بالتطور التاريخي، الذي يجري من حولنا. وشرط الولوج في النهضة، هو تحقيق تنمية حقيقية، بقوى محركة ذاتية، بأبعاد مختلفة، تسرع من تغيير بنية مجتمعاتنا العربية، وتنقلها من حال إلى حال. وحين نأتي للتدخلات في شؤون الوطن العربي، فليس بالإمكان نفي ذلك. فالسيف كان مسلطا على هذه الأمة، منذ جاء التتار لعاصمة العباسيين. وامتشق الشعب العربي سلاحه، من دون التفات منه لتنوعه وطوائفه وعشائره، في مواجهة الغزو الخارجي. وكان الغزو محرضا على تلاحم شعبي أكبر بين مختلف مكونات النسيج العربي، لكن التدخلات الخارجية، لوحدها، لا يمكنها أن تكون سببا في تفرقنا وتمزقنا. مرحلة الحرب الباردة في مرحلة الحرب الباردة، حدث ترصين للعلاقات الدولية، وبعد سقوطها سادت الفوضى، وتغول قطب واحد بتوحش وغطرسة على صناعة القرار الأممي. ونحن الآن في بداية مرحلة جديدة، من الأحادية القطبية. وما يجري الآن هو نتيجة انزياح مرحلة وبروز مرحلة أخرى، لم يتركز حضورها بقوة، حتى هذه اللحظة على أرض الواقع. ورغم وجاهة تأثير هذا التحول في الخريطة الكونية، لكنه لا يمكن أن يكون بمفرده مبررا لصراع الطوائف والقبائل، وبروز هويات من خارج التاريخ، وفي أحسن الأحوال على هامشه في منطقتنا العربية. والأنكى أن هذه التغيرات، لم تبرز في صيغة طفوح هويات ما قبل تاريخية فقط، بل صيغة حضورها، الذي ارتبط ببروز ظاهرة الإرهاب. ما يجري حاليا من حروب أهلية وصراعات بالوطن العربي، ربما مرده تضعضع النظم في البلدان التي اشتعلت فيها حروب التفتيت. لقد عشعش الفساد والاستبداد في هذه البلدان، ونخرها السوس. ونسجت الأنظمة البيروقراطية حبالا قوية، حالت دون الإبداع والمبادرة. وفقدت تلك النظم مشروعيتها، بسبب عجزها عن مقابلة استحقاقات الناس. كل ما جرى الحديث عنه من تدخلات خارجية واختراقات للأنساق والأعراف القديمة، صحيح. ولكنه لم يكن بمفرده قادرا على تشويه مجتمعاتنا إلى الحد الذي وصلت إليه، لو لم تكن البيئة مستعدة لاحتضان التغول المعمد بالدم للهويات الجزئية القديمة. وستظل فتوة النظام وحيويته رهنا بمأسسة هذه البلدان، وشيوع مبدأ المواطنة بديلا عن صراع الهويات. هل ستكون حوادث العنف الأخيرة، في بيروت وباريس المعمدة بغزارة الدم، فسحة للمراجعة وتشكيل حلف دولي لقهر الإرهاب، على قاعدة هزيمته في أوكاره وقواعده الفكرية. سؤال ستجيب الأيام القادمة عنه، لكن الحراك الدولي يشي بأننا على أبواب مرحلة جديدة، لعلها تكون نهاية لخريف الغضب.