كثيراً ما نسمع أن من أسباب الإرهاب هو ما تحتويه بعض المناهج الدينية، والأدهى والأمر أن مثل هذا القول يروج له بعض أبناء جلدتنا، الذين أصبح ما يرددونه حجة لأعداء الوطن بصفة خاصة والدين الاسلامي بصفة عامة. في حين أن الدين بريء من ذلك، بل إنه يعتبر مفخرة لنا بما يحمله من قيم واخلاق عظيمة، وهو يمثل وحدة عقائدية وفكرية ومنهجية لأبناء هذا البلد، يرسم من خلالها خطا معتدلا وسطا بعيدا عن الجنوح والغلو افراطا وتفريطا، وهذا ما نلمسه الان بأن بلادنا من أفضل بلاد العالم أمنا وتماسكا وثباتا على المبادئ والأسس الصحية، وبالرجوع الى التفجيرات الأخيرة في فرنسا نجد أن من قام بها أناس ولدوا وعاشوا وتعلموا من المناهج الغربية، فهل يمكن أن نتهم المناهج الغربية بأنها السبب وراء ذلك؟ وقد أثبتت الدراسات الغربية ما ذهبنا اليه، ففي دراسة أخيرة أجراها مكتب الشرطة الأوروبية (يوربول) حول الإرهاب في الاتحاد الأوروبي عن بطلان الادعاء السائد على نطاق واسع في الغرب، بأن الإرهاب مرتبط بالإسلام، وأن جميع المسلمين إرهابيون، إذ أفادت بأن 99.6٪ من المتورطين في أعمال إرهابية هم من الجماعات اليسارية والانفصالية المتطرفة. كما أكدت دراسة مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) التي بحثت في الإرهاب الذي ارتكب على الأراضي الأمريكية بين عامي 1980 و2005م، أن 94% من الهجمات الإرهابية ارتكبت من قبل غير المسلمين، وفي الواقع، تم تنفيذ 42% من الهجمات الإرهابية من قبل المجموعات ذات الصلة باللاتينيين، و24% منها ارتكبتها الجهات اليسارية المتطرفة. ثم يضيف: ووجدت دراسة لجامعة ولاية كارولينا الشمالية في عام 2014م، أنه ومنذ هجمات 11 سبتمبر، لم يؤدِّ الإرهاب المرتبط بالمسلمين إلا لمقتل 37 من الأمريكيين، في حين أن 190 ألف أمريكي قتلوا في تلك الفترة الزمنية نفسها.
بالتأكيد قد يكون هناك شذوذ فكري منهجي أو عملي وسلوكي من بعض من درس تلك المناهج، لكن لا يصح أن نجعل سببا مثل هذا هو المسؤول وحده عن الإرهاب، لأن المؤثرات الخارجية كثيرة، والشذوذ يحصل في كل زمان ومكان، من قِبل بعض أفراد كل دولة وملة وأسبابه كثيرة ومعلومة، وليس من العدل ولا من العقل أن ترمى دولة أو ملة بجريرة أفراد منها، أو توصم بشذوذهم الذي لا يعبر إلا عن ذات وفكر ومنهج من قام به.
خصوصاً أن من يرى في المناهج ذلك الرأي، هم أنفسهم تلقوا تعليمهم في نفس المدارس والجامعات، ولم تؤثر فيهم، بل إنهم على الجانب الاخر من التطرّف، ان المسلمين باعتبارهم أمة فهي أمة ذات رسالة، أمة متميزة «كنتم خير أمة أخرجت للناس».. «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً» إنه مفروض على هذه الأمة أن تتعلم دينها، مفروض على الفرد المسلم أن يتعلم من دينه ما يصحح عقيدته، ويصحح عبادته، ويضبط سلوكه وفق شريعة الإسلام وما فصلت من أحكام أحلت بها الحلال وحرَّمت بها الحرام، حيث يتوجب عليه تتبع تعاليم دينه حتى لا يمشي سائباً، المسلم ليس سائباً، المسلم منضبط ملتزم، فكيف يلتزم..؟ لابد أن يتعلم، وهذا بالنسبة للفرد، أما المجتمع فيجب أن يُهيئ من المؤسسات ما يعلم الناس دينهم حتى.. يظل في المسلمين من إذا استُفتي أفتى بعلم، ومن إذا استُقضي قضى بحق، ومن إذا علَّم علم عن بينة، ومن إذا دعا الناس دعا على بصيرة، ومن هذا جاء قول الله تعالى: «فلولا نفر من كل فرقةٍ منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون»، وإلا وجد فيما سماهم الرسول –عليه الصلاة والسلام- "رؤوس الجهال"، أخطر ما يبتلى به الأمة أن يوجد رؤوس جهال إذا سُئلوا أفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، فحتى لا يوجد هؤلاء الرؤوس الجهال ويسيطروا على الحياة الدينية والعقدية والسلوكية للأمة لابد أن تهيَّأ المعاهد والمؤسسات التعليمية الدينية «ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون».