«فاني ماي» هي شركة رهن عقارية مدعومة من الحكومة الأمريكية، تأسست في عام 1938 كجزء من خطة الاتفاق الجديد التي تبناها الرئيس روزفلت لمواجهة الكساد العظيم، فاني ماي لا تمل عن تقديم القروض العقارية إنما تهدف لتأمين السيولة اللازمة للمقرضين عن طريق توسيع سوق الرهون العقارية الثانوية. فهي تصدر وتدعم سندات الرهون العقارية بشكل يحرر السيولة لدى المقرضين لإعادة اقراضها مرة أخرى، الأمر الذي يخفض تكلفة الإقراض ويزيد من حجم السيولة في القطاع العقاري ككل.
في العام 2009، أعلن وزير المالية إبراهيم العساف عن نية المملكة إنشاء شركة مماثلة لفاني ماي كأحد عناصر قوانين الرهن العقاري. فتوفير السيولة سيدعم قطاع التطوير العقاري والإنشاء والتعمير بشكل يدعم ملكية المواطن السعودي لسكنه. ولكن تأخر ظهور الشركة حتى أعلن عنها مرة أخرى مجددا يثبت أن السيولة ليست العامل المؤثر الوحيد على نسبة المواطنين الذين يمتلكون منازلهم. ولذلك عملت السعودية على إقرار عدد من الإصلاحات في مجالات متعددة لحل أزمة السكن، بدءا من إقرار نظام لرسوم الأراضي البيضاء وانتهاء بنظام العمل الجديد. لتضغط هذه الإصلاحات على زيادة المعروض بالإضافة إلى رفع كفاءة وقدرة الطلب عن طريق تمكين الموظف.
أهمية الشركة المزمع إنشاؤها يكمن تحويل السوق العقارية بالكامل إلى تمويل منظم يستهدف تحفيز المالك على التطوير، وتوفير السيولة للمطور العقاري، بالإضافة إلى تخفيض مخاطر تمويل الأفراد. وكما أن السوق الثانوية ستخلق قناة استثمارية منظمة جديدة لتحفيز معدلات الادخار لدى المواطنين، فإنها ستكون أيضا قادرة على استيعاب سيولة القطاع العقاري بأكمله. ولذلك فإن السعودية تعمل مع مجموعة بوسطن الاستشارية على تشكيل هذا الكيان، والذي يمكن أن يتحول إلى شركة مساهمة يتم إدراجها ضمن سوق الأسهم السعودية. وبذلك يتم إعادة ترتيب مكونات سوق الأسهم ليصبح أكثر تمثيلا لمكونات الاقتصاد السعودي، حيث ما يزال تأثير القطاع العقاري ضعيفا مقارنة بالمصارف والبتروكيماويات.
هذا بالنسبة للاقتصاد الكلي للمملكة، أما فيما يخص الفائدة التي سيجنيها المواطن، فإن تخفيض تكلفة الاقراض ستشجعه على تبني نظرة استثمارية للمنزل الذي يتملكه. فالسوق الثانوية ستساعده على إعادة التمويل ونقل الملكية وزيادة نسبة ملكيته من العقار المرهون بأقل التكاليف. وبالتالي، يتحول المنزل من مجرد سكن إلى صندوق ادخاري للمواطن يرتبط بدخله الوظيفي. وكلما ترقى الموظف وزادت مساهمته في هذا الصندوق تمكن من توسيع مسكنه أو الاستثمار في مساكن أخرى ليحولها إلى مصادر دخل جديدة.
ولذلك فإن فاني ماي السعودية ستشكل نقلة نوعية في قطاع العقار السعودي مماثلة للطفرة التي أحدثها صندوق التنمية العقاري في منتصف سبعينيات القرن الماضي. أهمية هذه الشركة تأتي على الرغم من الأثر السلبي الذي تسببت به في أزمة الائتمان العالمية في الأعوام 2007 و2008. فقد كانت سندات الرهون العقارية المتعثرة التي أصدرتها كل من فاني ماي وفريدي ماك الأمريكيتين هي الأصول التي سممت النظام المصرفي الأمريكي والعالمي. إلا أن مثل هذه التبعات السلبية يمكن تفاديها عن طريق تنظيم صارم لسوقي التمويل العقاري الأولية والثانوية. وهو ما دأبت مؤسسة النقد العربي السعودي على القيام به حفاظا على سلامة القطاع المصرفي السعودي. وليس أدل على ذلك من عدم تراجع ساما عن فرض توفير 30% كدفعة أولى من أي قرض عقاري رغم معارضة قطاعات عريضة من المجتمع.