تعتبر إدارة المخاطر علما جديدا في مجتمعاتنا الشرقية أو حتى في دول العالم الثالث أجمع، رغم أن هذا العلم بدأ بالظهور بالدول المتقدمة في ثمانينات القرن الماضي، وأكاد أجزم أننا في أمسّ الحاجة إليه أكثر من تلك الدول المتقدمة، لأنه عندما نتأمل في أغلب الحوادث التي حصلت، «وبعد إيماننا التام بقضاء الله وقدره» يتبادر إلى أذهاننا تساؤل مهم، وهو : هل كان بالإمكان تفادي كل تلك الحوادث أو تخفيف أثرها على أقل تقدير؟ الإجابة نعم، لأن ذلك يعتبر من باب الأخذ بالأسباب.
إلى متى ننتظر سقوط مركبة وإصابة سائقها في إحدى الحفر لننتفض ونغلق جميع الحفر ليومين ونعود ونهملها؟، وإلى متى ونحن ننتظر وفاة طفلة في مدينة «ملاهي» بسبب عطل في لعبة ما ومن ثم نقوم بإغلاق جميع مدن الملاهي بسبب تدني مستوى السلامة في إحداها؟، وإلى متى ونحن ننتظر وفاة سيدة بخطأ طبي حتى نقوم بجرد عام لجميع مؤهلات الأطباء ونكتشف أن هناك أطباء مزيفين! ومن ثم نسنّ الأنظمة والقوانين؟، وإلى متى ونحن ننتظر حدوث حالات اختناق جماعية وأمراض صدرية لنتأكد من جدوى نقل بعض المصانع الكيماوية بعيدا عن المناطق المأهولة بالسكان؟، وإلى متى ننتظر كثرة الحوادث المرورية في شارع ما حتى نتحرك وننظم عملية السير بوضع إشارة مرور ضوئية؟، إلى متى وإلى متى وإلى متى؟. لماذا دائما ننتظر الحوادث ومن ثم نتفاعل معها خوفا من أن تصبح قضية رأي عام؟ أين الفكر الإداري المميز الذي يعي أبعاد المخاطر قبل حدوثها؟ أين الخطط الوقائية أو ما يعرف بـ Preventive Plans؟ قد يكون هناك العديد من المسببات لتلك الحوادث ولكني متأكد تماما أن ضعف إدارتنا للمخاطر من أهمها.
لا ينقصنا «فكر» ولا يعجزنا مال في تطبيق أحدث التوجهات الإدارية الحديثة والتي تعتبر إدارة المخاطر من أهمها، فإدارة المخاطر أو ما يعرف بـ Risk Management هي عملية تحديد المخاطر ووضع الآليات والإستراتيجيات المناسبة للسيطرة عليها أو تخفيض آثارها السلبية حتى تصل لمستوى معقول إضافة إلى رفع تقارير دورية عنها، ولإدارة المخاطر أهداف جمّة من أهمها: الحفاظ على الأرواح وكذلك الممتلكات الخاصة والعامة من الآثار السلبية للمخاطر، وأيضا من أهداف إدارة المخاطر زيادة الكفاءة لأن مستوى الجودة سيرتفع بانخفاض مستوى المخاطر. وتمر عملية إدارة المخاطر في ثلاث مراحل أولاها: تحديد المخاطر والذي يعتبر بمثابة مسح عام للوضع أو للمنشآة أو للمشروع أو للمجتمع من قبل متخصصين ملمّين بكافة الأبعاد الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والقانونية والتشغيلية إلخ، وثانية المراحل هي: تحليل المخاطر والذي يعتمد على دراسة المخاطر المحتملة ومن ثم وضع أولوية لها بناء على مستوى خطورتها والضرر الذي قد تسببه، وآخر مراحل عمل إدارة المخاطر هي تقييم المخاطر: وهي بمثابة قياس احتمالية حدوثها والأثر المترتب عليها والإطار الزمني الذي تحدث أو تتكرر به وكيفية التجاوب معها. أما كيفية التعامل مع المخاطر فغالبا تتمحور حول 3 نقاط أساسية أولاها: نقل المخاطر وهي محاولة إبعاد المخاطر إما جغرافيا من خلال توجيهها لموقع آخر أو نقل مسؤولية المخاطر ماديا أو معنويا لجهة أخرى أو لشخص آخر، والمحور الثاني للتعامل مع المخاطر هو تقليل المخاطر والذي يعتمد على أن نكون Pro Active «استباقيين» في تعاملنا مع المخاطر، أما المحور الثالث والأخير للتعامل مع المخاطر فهو تجنب المخاطر والذي ينص على عدم تنفيذ المشروع أو عدم القيام بعمل ما تماما تجنبا لحدوث مخاطر محتملة جسيمة.
ومن يعتقد أن عملية إدارة المخاطر من الصعب تطبيقها فأعتقد أن الصواب قد جانبه، لأن إدارة المخاطر أمر فطري متأصل بنا جميعا ونطبقه بشكل أو بآخر حتى في منازلنا أو حتى مع أطفالنا. ومن يعتقد أن تطبيق إدارة المخاطر مكلف ماديا فهو أيضا خالف الصواب، والحقيقة أن إدارة المخاطر تعتبر أحد أوجه الاستثمار لأنها تخفف من عبء الخسائر وإصلاح ما سببته تلك الحوادث، وتمنع خسارة الكثير عند تطبيق القليل من الإجراءات الاحترازية ومثال على ذلك التأمين الطبي مثلا فنحن ندفع مبالغ بسيطة أو معقولة إلى حد ما مقابل تجنب تكبّد مبالغ ضخمة في حال الإصابة بأي أمراض مستعصية أو طويلة العلاج لا قدّر الله، ومثال آخر وهو تأمين المركبات فنحن ندفع مبالغ معقولة مقابل تجنب دفع مبالغ باهظة قد نتكبدها في حال حدوث حوادث مرورية لا قدّر الله. وطالما أن أهمية علم إدارة المخاطر في ازدياد مطرد، وجب أن يكون توجها عاما تتبناه وزارة التعليم وأن تعتمده كمنهج أساسي في جميع كلياتنا وجامعاتنا وليس في بعضها كما هو حاصل الآن وذلك بالتنسيق مع وزارتي العمل والخدمة المدنية ليكون متلائما مع متطلبات سوق العمل ومتطلبات المنشآت التي تتسابق في الظفر بمن يحمل هذا التخصص.
الخلاصة: الوقاية خير من العلاج.