إقرار مجلس الوزراء نظامَ الجمعيات والمؤسسات الأهلية، يُشكل إشارة إيجابية تدعو للتفاؤل، ببناء نواة لمجتمع مدني في المملكة، إذا تم تطبيق النظام بالشكل المطلوب. النظام يُعطي الفرصة لعشرة أشخاص وأكثر لإنشاء جمعية، تحت عناوين مختلفة، ثقافية أو اجتماعية أو مهنية أو غيرها، ووزارة الشؤون الاجتماعية، تصدر الترخيص خلال 60 يوماً من تاريخ استكمال مسوغات الطلب، وإذا حصل هذا دون معوقات بيروقراطية أو غيرها من المعوقات والعقبات، فسنكون أمام جمعيات ومؤسسات أهلية، تُمَكِّن الأفراد من التعبير عن أنفسهم وأفكارهم، ضمن إطار العمل الاجتماعي المدني، الذي سيحقق تغييراً اجتماعياً مهماً، إذا توسعت هذه الجمعيات الأهلية، ووجدت مساحات الحركة الملائمة.
ما الذي نعنيه بالمجتمع المدني؟ ولماذا التفاؤل بحضوره؟. مفهوم المجتمع المدني خضع لتطور تاريخي طويل، واختلفت تعريفاته بحسب الأزمنة والأيديولوجيات أيضاً، لكن ما نعنيه بـ «المجتمع المدني» في سياق الكلام في وقتنا الحاضر عن الجمعيات والمؤسسات الأهلية، هو النشاط الأهلي التطوعي الذي تنظمه مجموعات من المواطنين بغرض التعبير عن قيم مشتركة أو تحقيق مصالح مشتركة، أو الاثنين معاً، وفي هذا المفهوم تدخل المنظمات غير الحكومية، من جمعيات مهنية (تجمع أصحاب عمل معين مثل نقابات الأطباء والمهندسين وسواها)، وجمعيات ثقافية وعلمية، ومؤسسات عملٍ خيري، وحتى الأندية الرياضية.
تتميز مؤسسات المجتمع المدني بأنها رابطة تطوعية للتضامن بين مجموعة أشخاص يجمع بينهم اهتمام مشترك، ومفهوم المجتمع المدني يقوم على التمييز بين عدة أمور، منها التمييز بين المؤسسات المجتمعية ومؤسسات الدولة، والتمييز بين الروابط المجتمعية المُؤَلَّفَة من تَجَمُّع أفراد بشكل تطوعي، وما يُعرف بالروابط العضوية الأولية (الرابطة المذهبية والعشائرية والمناطقية) التي يولد الإنسان فيها.
هذا التمييز الأخير يفسّر التفاؤل بحضور المجتمع المدني ونموه في بلادنا، إذ إن إنشاء الجمعيات والمؤسسات الأهلية، على أساس اشتراك أفراد من المواطنين في المهنة أو الاهتمام الثقافي، أو العمل الخيري، يسمح بقيام روابط جديدة في المجتمع، لا علاقة لها، نظرياً على الأقل، بالانتماءات المذهبية والمناطقية والعشائرية، ويساهم في خلق مجموعات جديدة، على أساس مصالح مشتركة، فالأطباء في تخصص معين يجتمعون في جمعية أهلية بغض النظر عن مناطقهم ومذاهبهم وقبائلهم، وكذلك المهندسون، وهواة رياضة التنس، وأنصار البيئة، وكل مجموعة تشترك في الاهتمام بقضية محددة، أو الانتماء إلى مهنة معينة، وهذا يمكنه أن يساهم في خفض التضخم الذي حصل للروابط والهويات العشائرية والطائفية والمناطقية، في غياب روابط بديلة، فجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، يمكنها المساعدة في إخراج المواطنين من تقوقعهم داخل روابطهم الأولية، وتساعد في دمجهم مع بعضهم عبر العمل المشترك، وهذا يجعل هذه المؤسسات، إحدى وسائل مواجهة الاحتقان الناجم عن تضخم الهويات القبلية والمذهبية.
لا تساعد مؤسسات المجتمع المدني في تفعيل خدمة المجتمع التطوعية والتضامن الاجتماعي وحسب، بل تزيد عليها بالإسهام في تغيير الخارطة الاجتماعية.