الذين يكون سلوكهم طائفيا لا يشعرون في الغالب بذلك، فالمسألة أشبه بالذائقة السمعية أو البصرية حين تعتاد أمرا لا تشعر بفروقات كبيرة تلحق به، ولذلك فهؤلاء ذائقتهم، ولنقل الثقافية، لم تعد تشعرهم بالتطور السلبي في مسارهم الديني بحيث لا يشعرون بأنهم ينحرفون بسلوكهم الى متاهات الطائفية، بل يمكنهم إنكارها لأنها موجودة في العقل الباطني الذي يصعب عليهم إدراك خباياه، وللحقيقة كلما ارتفع الوعي تراجعت مكنونات ذلك العقل ولا تطفح في قول أو فعل.
بعض الطائفيين لديهم تمييزات قاتلة للمكونات الاجتماعية، ويمكنهم على هواهم تصنيف الأفراد من منطلقات انطباعية لم يعمل فيها فكر أو عقل، والانطباعيون سلبيون عقليا، وخاملون فكريا في استيعاب المتغيرات واستكشاف الحقائق، ولديهم خاصية الهروب الى الأمام بمهارة عالية، ولا يمكن أن يجتمع في الشخص أن يكون عقلانيا وانطباعيا، فعمل العقل ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، وإنما فيه جهد فكري كبير لا يتوفر للانطباعيين الذين يتوقفون عند ظواهر الأشياء ويكتفون بما يرشح لهم ويتخذونه قناعة لا يفارقونها.
أولئك الطائفيون ميّالون الى التصنيف ووضع الناس وفكرهم وخياراتهم وقناعاتهم في غير موضعهم لأنهم يرتكزون الى قواعد انطباعية، وذلك مصدر خطر مؤكد على المجتمعات، لأن الناحية السلوكية ذات منشأ سيكولوجي، وهنا نتعامل مع شخصيات لها أبعاد نفسية سلبية تسيطر على تقييمها لمن حولها، ليصبح الحال مثل الذي يلعب شطرنج ثم لا يجيد وضع القطع في مواضعها الصحيحة التي تصل به الى الفوز باللعبة التي في الأساس عقلية ولعبة أذكياء، ولا يمكن القفز فيها بالحصان مكان الجندي أو على مساره، حينها يتحول الأمر الى عشوائية وفوضى وعبث ينتهي بالخسارة المؤكدة.
الفضاء النفسي للطائفيين فيه كثير من القلق لأنه ينطوي على نقص فكري يتحركون به، ليتهم ويشكك ويقذف وينتقص بذات العشوائية التي لا تجد عقلا يرتب الفوضى ويلم شتات النفس، وذلك يفسر الانحياز الى فكرة التمييز والتصنيف، لأنه يضع نفسه ابتداء في المكان الأفضل والمقدمة، والآخرون إما وراءه أو في الجانب الآخر من معادلته العبثية، تماما كما في توزيع الحق والباطل والخير والشر، والصحيح والخاطئ، والسلبي والإيجابي، والوطنية واللاوطنية، وهكذا ينشغلون بدوامات انصرافية ليست ذات جدوى على صعيد الفكر والإنسانية والوطنية، ولا تخدم مشروعا للاستقرار أو الوعي المجتمعي، وهم في الحقيقة مصدر دعم كبير للتطرف والإرهاب، ولا نزال بحاجة الى معالجات نفسية وعقلية لهم قبل الأمنية، فهم ينتشرون بكثرة في الواقع الافتراضي الذي يمنحهم غطاء واستعارات تخبئ انحرافاتهم العقدية والإنسانية والفكرية.