في واحدة من المفاجآت الأكثر شهرة في إفريقيا هذا العام، أطاح الناخبون بالرئيس النيجيرى جودلاك جوناثان. انتخاب محمدو بوهاري تحدى توقعات تزوير الانتخابات والعنف، وانتعشت الآمال بفضل منصته لمكافحة الفساد من أجل الإصلاح والنمو الاقتصادي.
ومع ذلك كان التقدم على الجبهتين بطيئا وغير منتظم. حتى نفهم السبب في ذلك، تناول كتاب «آلة النهب»، من تأليف توم بيرجس، لإلقاء نظرة على السبب في أن القارة المباركة التي لديها ثلث النفط والغاز والثروة المعدنية في العالم لا تزال غارقة في الفقر والاختلال الوظيفي.
كان بيرجس في السابق مراسل إفريقيا السابق لدى صحيفة فاينانشال تايمز، بيرجس يمضي إلى ما وراء حكايات الفساد المذهلة بين «الرجال الكبار» في إفريقيا - الحكام الأربعة الأطول خدمة في العالم هم في البلدان الأفريقية التي تتفجر من النفط أو المعادن - لشرح كيف أن «لعنة الموارد» في القارة تضعف تطورها.
تعتبر نيجيريا خير مثال على ذلك. هذا البلد الذي هو أكبر منتج للنفط في إفريقيا يحصل على أكثر من 90 في المائة من أرباحه الأجنبية وثلثي الإيرادات الضريبية من صادرات النفط. ولكن هناك العديد من الأسباب التي تجعل تلك الثروة الهيدروكربونية بمثابة نعمة تشوبها نقمة.
بداية، يمكن لهذا أن يرفع قيمة عملة البلاد، مما يجعل الصادرات الأخرى أقل قدرة على المنافسة والواردات أكثر جاذبية. كما يشير بيرجس إلى أن صناعة المنسوجات اعتادت أن تكون الصناعة التحويلية الأهم في نيجيريا. لكن الواردات الصينية الرخيصة المهربة من قبل العصابات النيجيرية (والاتجار غير المشروع الذي تبلغ قيمته أكثر من ملياري دولار في السنة) قد دمر الصناعة - وهو أحد الأمثلة على أن إفريقيا تنتج فقط 1.5 في المائة من الناتج الصناعي العالمي، على الرغم من وفرة اليد العاملة الرخيصة.
مليارات الدولارات من عائدات النفط هي أيضا وعاء مغر من المال للسياسيين الذين لديهم ميل نحو الفساد. وقال أحد التقارير الصادرة في عام 2012 إن الفساد ابتلع ما قيمته 37 مليار دولار من أموال النفط في نيجيريا خلال العقد الماضي. هذا الرقم يتجاوز الناتج الاقتصادي السنوي لأكثر من نصف البلدان في إفريقيا وكذلك الموازنة العامة الاتحادية السنوية في نيجيريا.
مثل هذا الفساد لديه آثار سامة أخرى. الأموال القذرة التي تأتي من الرشاوى والعمولات لا بد أن يتم غسلها، وحيث ان الذين يغسلون الأموال لا يكترثون بالربح أو الاستثمارات الإنتاجية، فإن ما يقومون به من عمليات لحقن النقدية يعمل على تشويه قيمة الأصول.
اعتماد نيجيريا على النفط في الإيرادات الضريبية أيضا يخلق ديناميكية سياسية ضارة: كما يقول بيرجس: «قدرة حكام دولة الموارد في إفريقيا على الحكم دون اللجوء إلى موافقة شعبية». بدلا من الاضطرار لإحقاق الحق لصالح دافعي الضرائب لكسب أصواتهم، يركز السياسيون على السيطرة على الثروة المعدنية وتوزيعها من أجل تعزيز شبكات المحسوبية التابعة لهم.
ويلاحظ بيرجس أن «السياسة تصبح لعبة لحشد الاخوة العرقية لأحدهم» - وهذا سباق يؤدي إلى آثار خطيرة مزعزعة للاستقرار في النظام السياسي المنقسم في نيجيريا. في الواقع، وكما يشرح أحد الحكام النيجيريين، إذا فشل في مشاركة الآخرين بما لديه من ثروة، سواء كانت مشروعة أو غير ذلك، «فإنني قد حصلت على عدو سياسي كبير».
نيجيريا هي بعيدة كل البعد عن الاستثناء. لا يقل عن 20 بلدا إفريقيا تعتبر ما يسميه صندوق النقد الدولي «غنية بالموارد»: أي أن الموارد الطبيعية تمثل أكثر من ربع الصادرات. وفي الكتاب، بيرجس يأخذ القراء ببسالة في جولة حول عدد من هذه الموارد الطبيعية، من مناجم الكولتان في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وغينيا الغنية بالبوكسايت (خام الألمنيوم)، وودائع خام الحديد إلى حقول الماس التابعة لزيمبابوي.
حتى مع تداخل أسماء وتواريخ مختلف القادة المفترسين، هناك شيء واحد واضح: نهبهم يعتمد على الشركاء الخارجيين الذين هم على أتم الاستعداد للتعاون، سواء أكانوا شركات التعدين والنفط الغربية التي تلقي بالرشاوى وتحرض على المجازر، أو الوسطاء الإسرائيليين المشبوهين، أو شركات وهمية في جزر فيرجن البريطانية.
ما يثير القلق بصورة خاصة هو ما وصفه بيرجس بالدور الكريه الذي تلعبه مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي، والتي تدعم مشاريع النفط والتعدين الفاسدة والمدمرة للبيئة بشكل واضح، أو مجرد مشاريع النفط والتعدين غير المنصفة في تشاد وغينيا وغانا - وهي جميعا من البلدان التي من المفترض أن يعمل البنك الدولي على مساعدتها.
لكن لو تحول كتاب بيرجس إلى فيلم، فإن النجم الشرير يجب أن يكون صموئيل با، الذي يرتدي نظارة طبية والملتحي، الذي رأيناه في فيلم «زيليج»، والذي يقف وراء بعض أكبر الصفقات المشبوهة في الفترة الأخيرة لموارد القارة. على مدى عدة عقود، استغل با علاقاته التي أقامها باعتباره أحد عملاء الاستخبارات الصينية وتاجر الأسلحة في اتحاد سري مترامي الأطراف مقره في هونغ كونغ معروف باسم مجموعة كوينز واي 88، ناهيك عن وجود اسم له على قائمة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية.
يقول بيرجس إن الانتقادات الغربية للوجود الصيني المتنامي في إفريقيا تحمل في طياتها «قدرا مميزا وواضحا من النفاق» الذي يجعل حتى أكبر المنافقين يصاب بالخجل. فضلا عن ذلك، الأفارقة العاديون مؤهلون للاستفادة كثيرا من مبلغ تريليون دولار الذي سوف تضخه المؤسسات الصينية في القارة بحلول عام 2025.
مع ذلك، قصة با ومجموعة كوينز واي، التي قامت بلف مخالبها حول حيازات النفط في أنغولا ونيجيريا ومناجم الماس في زيمبابوي، والزراعة في موزمبيق (وهذه فقط أمثلة قليلة على مشاريعها المنتشرة)، تفوح منها رائحة الفساد. عدد من تنفيذيي شركات التعدين المخضرمين الأفارقة أخبروا بيرجس أن مجموعة كوينز واي تذكِّرهم بسيسيل جون رودس، البريطاني المختص في التعدين، والذين يعتبر رائد الذين «يستخدمون غزو الموارد الطبيعية لتعزيز القوة السياسية والعكس بالعكس».
واحد من أفضل الخطوات التي يمكن أن تعطي أملا بالحد من هذا الفساد والتكالب على الغنائم هو فرض قدر أكبر من الشفافية على شركاء الأعمال الأجانب من خارج إفريقيا. على سبيل المثال، في الفترة الأخيرة اقترحت هيئة الأوراق المالية والبورصات فرض قاعدة تُلزِم الشركات الأمريكية العاملة في مجال النفط والغاز والتعدين أن تنشر تفاصيل مدفوعاتها إلى الحكومات.
حتى الصين يمكنها أن ترى منذ الآن أن هناك أمورا سوف تحدث. بعد بضعة أشهر من ظهور كتاب بيرجس هذا العام، ذكر أن با محتجز في واحد من أعمق تحقيقات مكافحة الفساد في الصين.