بينما يبدأ العام الجديد، تقف أسواق الغاز الطبيعي في أوروبا في وسط شبكة من العوامل الجغرافية والمالية والسياسية التي قد تعيد تشكيل مستقبلها.
في عام 2015، تراجعت أسعار الغاز الطبيعي نتيجة للعرض المفرط الذي ازداد سوءا بسبب انخفاض سعر الفحم، وارتفاع نسبة استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وتحسن كفاءة استخدام الطاقة والعام الأكثر دفئا من أي وقت مضى. النتيجة: حققت العقود المعيارية أول خسارة سنوية متتالية لها، منهية العام بتحقيق أدنى مستوياتها منذ عام 2009.
الآن، وسط انخفاض في الطلب الآسيوي، تصبح أوروبا وجهة مستهدفة أكثر احتمالا للغاز الطبيعي حيث تستعد الولايات المتحدة لشحن أولى ناقلاتها من الوقود السائل جراء الازدهار في النفط الصخري، وتعمل أستراليا على توسيع صادراتها، ما يرغم الموردين في الشرق الأوسط على البحث عن عملاء جدد، وتكافح روسيا في سبيل الحفاظ على الحصة السوقية.
قال آلان وايتفيلد، العضو المنتدب لشركة حلول الطاقة (إيه دبليو)، وهي شركة استشارية للغاز والغاز الطبيعي المسال في لندن، عبر البريد الإلكتروني: «مع كون أوروبا أصبحت وبشكل متزايد منطقة الإغراق لفائض الغاز الطبيعي المسال في العالم، ينبغي أن يشهد عام 2016 استمرارا لحالة العرض المفرط في أسواق الغاز الأوروبية. وقدوم فصل شتاء معتدل يمكنه فقط مفاقمة هذا الوضع إذا استقبلنا الربيع ولدينا مخزونات وافرة».
إليكم أكبر التساؤلات التي تواجه الأسواق الأوروبية. ما هي كمية الغاز التي سينتجها الاتحاد الأوروبي؟
يواجه أكبر حقل للغاز في مقاطعة جرونينجين الهولندية في أوروبا قيودا على الإنتاج بعد أن تبين وجود علاقة بين الاستخراج وبين الزلازل التي تحدث في المنطقة. قالت الحكومة إن هذه المقاطعة يمكنها إنتاج فقط 27 مليار متر مكعب من الغاز في الأشهر الاثني عشر المنتهية في سبتمبر. فقط في حالة كان الجو باردا يمكن أن يرتفع سقف الإنتاج إلى الحد السابق البالغ 33 مليار متر مكعب.
عملت الانخفاضات منذ الآن على دفع هولندا لتصبح مستوردا صافيا للغاز رغم كونها أكبر منتج بري في الاتحاد الأوروبي. والبلدان التي تشتري الغاز الهولندي، وهي ألمانيا وفرنسا وبلجيكا، هي أيضا تمر في عملية ضبط لشبكاتها لاستبدال الإمدادات التي تأتي من جرونينجين بحلول عام 2030.
في الوقت نفسه، قالت المملكة المتحدة إنها ترغب في المضي قدما في استكشاف موارد الغاز الصخري لديها، مع احتمال أن يكون ذلك إضافة للإمدادات الأوروبية، ذلك لأن نضوب حقول بحر الشمال تسبب في عام 2014 في حدوث انخفاض في إنتاج الغاز لديها بنسبة 62 بالمائة عما كانت عليه المعدلات قبل عقد من الزمان. وقد تعمل شركات الإنتاج العام القادم على حفر بعض أولى الآبار الاستكشافية لتقييم نسبة الرواسب في البلاد. هل ستشهد أوروبا قدوم المزيد من الغاز الطبيعي المسال؟
شحنات الغاز الطبيعي المسال الأوروبي في ازدياد لأن المصانع الجديدة في أستراليا تعزز الإمدادات لآسيا وسط انخفاض الطلب، ما يسبب تحول بعض الشحنات القادمة من الشرق الأوسط إلى شمال غرب أوروبا، المنطقة الوحيدة خارج أمريكا الشمالية ذات الكمية الكافية من الغاز المتداول لاستيعاب الفائض.
يتعين على محطات الاستيراد في المملكة المتحدة وبلجيكا وهولندا الحصول على 167 شحنة هذا العام، مرتفعة عن 132 شحنة في عام 2014 والنسبة الأكثر منذ عام 2011، وفقا لبيانات الميناء وتتبع السفن التي جمعتها بلومبيرج. توقفت عملية إعادة تشغيل المفاعلات منذ كارثة فوكوشيما النووية في عام 2011، ويعمل كل من انخفاض معدل النمو الصناعي وارتفاع نسبة توليد الطاقة المتجددة على خفض استهلاك الغاز في اليابان، أكبر مشتر للغاز الطبيعي المسال في العالم، ما يتسبب في إبقاء المزيد من الشحنات المتاحة لأوروبا.
العام القادم، ربما يكتسب صافي واردات الغاز الطبيعي المسال في أوروبا 22 بالمائة ليصل إلى 45 مليار متر مكعب، وفقا لبنك سوسييتيه جنرال. هل سيأتي الغاز الأمريكي إلى أوروبا؟
أوروبا، بما لديها من مراكز تجارية نشطة، مع قلة استخدام البنية التحتية الخاصة بالواردات، ربما تجذب الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، الذي لا توجد عليه أية قيود مفروضة على الوجهة التي يصلها وقد يتنافس مع إمدادات خطوط الأنابيب القادمة من روسيا والنرويج.
قال مالكولم جونسون، عضو هيئة التدريس في برنامج جامعة برينستون أكسفورد، الذي يعطي تدريبا أكاديميا على شؤون الطاقة: «نظرا لكميات الغاز التي يجري شحنها إلى أوروبا، تكون التكلفة الهامشية للغاز الروسي الإضافي منخفضة وينبغي عليه أن يكون قادرا على منافسة إمدادات الغاز الطبيعي المسال القادم من الولايات المتحدة. مع ذلك، من الواضح أنه في بعض البلدان هنالك رغبة في تنويع الإمدادات من أجل توفير الأمن».
هذه الرغبة في التنويع بعيدا عن الاعتماد على الغاز الروسي حفزت بلدانا مثل ليتوانيا لتوقيع اتفاقيات توريد مع مصدرين أمريكيين بمن فيهم تشينيير للطاقة. ربما سيكون الغاز الطبيعي المسال الأمريكي قادرا على التنافس في المراكز التجارية الأوروبية هذا الشتاء، بحسب ما قال قسم تمويل الطاقة الجديدة بلومبيرج في وقت سابق من هذا الشهر. ما هي كمية الغاز الروسي التي ستحصل عليها أوروبا؟
تخطط شركة غازبروم لإبقاء إمدادات الغاز المرسلة إلى أوروبا عند حوالي 156 مليارا إلى 160 مليار متر مكعب في العام الواحد في الفترة من 2016 إلى 2018، وفقا لسيرجي كومليف، رئيس قسم التسعير وتنظيم العقود في وحدة التصدير التابعة للشركة المنتجة في مقرها في موسكو. وقد عمل احتكار تصدير الغاز عبر الأنابيب أيضا على ضمان المبيعات في أوروبا بسبب شروط العقود التي تلزم المشترين بأن يأخذوا كميات الحد الأدنى المتفق عليها كل عام.
يلبي الغاز الروسي حوالي ثلث الطلب في المنطقة، وإنتاجه رخيص ومرتبط بأسعار النفط التي انهارت بنسبة 34 بالمائة هذا العام، حيث ان التراجعات في الآونة الأخيرة من المتوقع أن تدخل بالتدريج ضمن العقود طويلة الأجل العام القادم بفضل الفارق الزمني الذي يمتد من ستة إلى تسعة أشهر. ارتفعت الواردات من روسيا في عام 2015 لأن الوقود أصبح تنافسيا ضد الغاز في المراكز التجارية.
في الوقت نفسه، تحارب شركة غازبروم اتهامات الاتحاد الأوروبي بأنها فرضت على بولندا ودول البلطيق زيادات في الأسعار وصلت إلى 21 بالمائة أكثر من المتوسط، مع مضاعفة الجهات المنظمة لجهودها الرامية إلى خفض اعتماد الاتحاد على روسيا. ربما يبدأ المزيد من الغاز الطبيعي المسال الذي يشق طريقه إلى أوروبا أيضا بالضغط على بعض الغاز الروسي، وفقا لشركة جوانب الطاقة المحدودة، وهي شركة استشارية مقرها لندن ترى تناقصا في الواردات من شركة غازبروم بنسبة 4 بالمائة العام القادم. هل لا يزال بإمكان المخزون فرض الأسعار في أوروبا؟
إذا أردت كسب المال من خلال مخزون الغاز في الاتحاد الأوروبي، فإن عام 2015 لم يكن عام الحظ لك.
قال فرانك فان دورن، رئيس وحدة تجارة الغاز في شركة تجارة الطاقة فاتينفول، في مؤتمر عقد في سبتمبر: «الذين استثمروا في مخزونات الغاز أو محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز عرضوا أنفسهم للخطر، إن لم يكن للخطر الشديد».
تسجل مستويات التخزين أعلى المستويات في هذا الوقت من السنة منذ عام 2009 على الأقل، وفقا لبيانات من شركة «البنية التحتية للغاز في أوروبا»، لأنه لا أحد يحصل على الغاز من المرافق إذا كان دافئا، والإمدادات القادمة مباشرة من الموردين رخيصة. تقلل مواقع التخزين الكاملة من التقلبات، ما يتسبب بالضرر للذين يستفيدون من شراء الغاز بسعر منخفض ويبيعونه بسعر مرتفع.