يدرك صانع القرار في الأردن أن ثمة خواصر حدودية رخوة يشترك بها شمالاً وشرقاً، حيث العمليات العسكرية في أوجها، فيما يسيطر القلق الأمني على مجمل المواقف والقرارات المتخذة، في محاولة لدرء شرر يتطاير على الجبهتين.
ولا يخفي الأردن «الرسمي» قلقه مما يجري، فعلى الحدود الشمالية مع سوريا، وتحديداً عند محافظة درعا، يقف الرسميون على رؤوس أصابعهم ترقباً لمآلات المواجهة بين "الفصائل المسلحة"، الموالية والمناهضة لنظام بشار الأسد، فيما الأعين تتربص حال "الانتصار" في الرمادي، الذي قالت الحكومة العراقية إنه "تحقق".
ثمة إستراتيجية أردنية ثابتة، حيال ما يجري، قوامها "أمن المملكة أولاً"، دون "مواربة أو مجاملة"، وهو ما قاله صراحة وزير الإعلام الأردني د. محمد المومني، الذي لم يخف وجود "اعتبارات أمنية" تحكم موقف بلاده.
المومني قال، أمام "اليوم": إن "اعتبارات أمنية، مُعلنة وسرية، تحكم الموقف الأردني مما يجري في الجوار"، بيد أنه لم يكشف ماهية هذه الاعتبارات.
وأبدى الوزير الأردني ثقة متزايدة بفعالية المنظومة الأردنية، العاملة على الحدود مع العراق وسوريا، وقال: "حدودنا الشرقية والشمالية قوية ومنظومتنا قوية وراسخة، وحتى إن اقتربت مجموعات إرهابية من الحدود، بفضل العمليات الاستخبارية وقوات حرس الحدود، فإن حدودنا بخير".
ويمتلك الأردن منظومة ذات شقين، الأول: عسكري، مرابط على طول الحدود مع سوريا والعراق؛ والثاني: استخباري، نافذ بعمق داخل البلدين، ويرتبط بصلات قوية مع مختلف أطراف الصراع الدائر.
بيد أن أحداً في الرسميين الأردنيين لا يمكن أن يؤكد أو ينفي إمكانية تسرب عناصر أو خلايا نائمة إلى داخل البلاد، ويلزمون حياله الصمت، فيما تصدر بين الفينة والأخرى بيانات رسمية عن إلقاء القبض على عناصر أو خلايا استهدفت الأردن.
"الأمن الداخلي الأردني، ممثل في عدة أجهزة أمنية، كفؤ وعلى درجة عالية من الحرفية"، يقول الخبير الأمني والمحلل السياسي خالد المجالي لـ "اليوم"، مضيفا: "مع تطورات الأحداث في محيط المملكة طور الجهاز الأمني والاستخباري إستراتيجياته، بما يحول - بنسبة مرتفعة - دون تنفيذ أية جماعة مآربها داخل المملكة".
ويرى المجالي، الضابط السابق في جهاز المخابرات الأردنية، أن "الجهاز الأمني الأردني يمتلك استراتيجيات ذات بعدين، خارجي وداخلي، مكّنته حتى الآن من تجنيب البلاد الشرر المتطاير عبر الحدود".
ورغم "الفعالية الأمنية"، التي يتحدث بشأنها المجالي، إلا أنه يُبقي على القلق قائماً، فهذه الفعالية تعني "القدرة على ضبط نسبة عالية من المخاطر وتبديدها، ما يُبقي التهديد قائماً ولكن باحتمالية أقل بكثير".
ويعترف المجالي بأن "التقلبات على الحدود مع سوريا والعراق، وتحديداً في ملف من يسيطر على تخوم الأردن، تظل عامل قلق وتهديد، إذ تحول دون عقد تفاهمات، من أي نوع، قادرة على تجنيب المملكة الخطر".
في وقت سابق، استفز الأردن مختلف الجماعات المسلحة في سوريا، عبر ما عُرف بـ "لائحة المنظمات الإرهابية"، ما فتح الباب أمام "غضب"، معلن وكامن، لدى مختلف الأطراف، فيما لا يتوانى عن معاداة "تنظيم داعش"، ما يبقي المملكة في "عين العاصفة".
ويدرك الرسميون الأردنيون أن "الفعالية الأمنية"، بحد ذاتها، ليست كافية لتجنيب بلادهم ويلات الجوار، ما يدفعهم إلى "مقاربات سياسية" تعزز هذه الفعالية، وفق مصدر سياسي رفيع.
ويقول المصدر، لـ "اليوم": إن "الأردن طوّر، إلى جانب المنظومة الأمنية العسكرية، مقاربة سياسية، تعزز من فعاليته الأمنية في مواجهة التحديات والتهديدات القادمة عبر الخواصر الرخوة".
وبين المصدر، الذي تجنب الإفصاح عن اسمه، أن "المقاربة السياسية ترتكز على التفاعل مع مختلف الأطراف في الخواصر الرخوة، عبر وسطية معهودة في السياسة الأردنية".
ويضيف: "بيد أن طبيعة الصراع الصفري الدائر تحيل هذه الوسطية إلى وسطية مستحيلة، ما يُبقي أروقة القرار على أهبة الاستعداد الدائم لمواجهة كل تطور".
"الوسطية المستحيلة"، هي الأقرب إلى "المهمة المستحيلة"، التي تسعى عمّان للقيام بها، إذ ترتبط بـ "علاقة ملتبسة"، و"ليست بخير"، مع دمشق وبغداد، ومن خلفهما طهران، ما يجد تعبيراته عبر إدراج الجهاز الأمني الأردني ميليشيات، كالحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، على ذات المرتبة من العداء مع تنظيم داعش، وهو يعيد الموقف إلى خانة "القلق" و"التأهب".