هناك الكثير من التعبيرات والمصطلحات التي تمر علينا، ومنها هذا المصطلح "قوة الضغط الناعمة"، وللتعرف أكثر على هذا المصطلح نتتبع مصدره، لنجد أنه مفهوم صاغه «جوزيف ناي» من جامعة هارفارد لوصف القدرة على الجذب والضم دون الاكراه أو استخدام القوة كوسيلة للاقناع.
في الآونة الأخيرة، تم استخدام المصطلح للتأثير على الرأي الاجتماعي والعام وتغييره من خلال قنوات أقل شفافية نسبياً والضغط من خلال المنظمات السياسية وغير السياسية. إذ قال «جوزيف ناي» انه مع القوة الناعمة " أفضل الدعايات ليست دعاية"، موضحاً أنه وفي عصر المعلومات، تعد "المصداقية أندر الموارد".
على سبيل المثال،، تحدث الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني هو جينتاو عام 2007 أن الصين بحاجة إلى زيادة قوتها الناعمة. وتحدث وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس عن الحاجة إلى تعزيز القوة الناعمة الأمريكية عن طريق "زيادة الإنفاق على الأدوات المدنية من الأمن القومي بالدبلوماسية، والاتصالات الاستراتيجية، وتقديم المساعدة الأجنبية، وإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية"، وبالنسبة للدول تعني القوة الناعمة أن يكون للدولة قوة روحية ومعنوية من خلال ما تجسده من أفكار ومبادئ وأخلاق ومن خلال الدعم في المجالات الاجتماعية والبنية التحتية والثقافة والآداب، مما يؤدي بالآخرين إلى احترام هذا الأسلوب والإعجاب به ثم اتباعه فيما بعد.
وإذا عدنا إلى الحقل الإعلامي نجد أن الإعلام هو قوة الضغط الناعمة. للإعلام تأثيرات إيجابية وسلبية وأيضًا أزمات في عصرنا الحالي؛ لكن لا ننكر أنه صاحب دور محوري، وأضحى صناعة لها فنونها ومهاراتها وميزانياتها. إن التركيز على قوة الضغط الناعمة يأتي من منطلق استخدام جماعات الضغط من مؤسسات ومنظمات عالمية قد تزامن أيضا مع تكثيف إنتاج المعرفة واستخدامها للتأثير على الرأي العام للترويج لأهداف وتطلعات الدول الكبرى. وتلعب المؤسسات الإعلامية الدور الأبرز في الترويج لأهداف الدول العظمى. وقد تزامن ذلك مع تفشي ظاهرة الإرهاب وتكاثر الجماعات ما دون الدول المؤثرة في الأحداث العالمية، وانطلاق الثورة المعلوماتية غير المسبوقة وسيطرة المعرفة على مختلف مناحي الحياة. ولم يكن كل ذلك ببعيد عن يد الإعلام والذي يشكل عقل الأمم ويضغط عليها، ويحاول التأثير على قرارتها، دون الاهتمام بالمصالح الخاصة لكل أمة من الأمم.
ولا شك أن قوة الإعلام تنبثق من تأثيره على الأفكار وتسويقها وغرسها، بحيث تعمل كمحرك لكل سلوكياتنا وتصرفاتنا، فبإمكان الآلة الإعلامية التي تعمل صباح مساء تشكيل التصورات وتعديل القَناعات، بصرف النظر عن كون هذا التغيير إيجابيا أم سلبيا.
أما بالنسبة للأمم والدول فيعتبر الصراع أمرا طبيعيا، حتى وإن تجمّل البعض ووصفوا هذا الصراع بالمنافسة، إذ إنه يظل في حقيقة الأمر صراعاً بكل ما تحمله تلك الكلمة من معان، لأن الدول تستخدم في هذا الصراع كل إمكاناتها المتاحة لتحقيق أغراضها السياسية، وقد يتم ذلك باستخدام الوسائل السياسية من مناورات وحوارات تنتهي إلى اتفاقيات تعبر في العادة عن توازن قوى الموقعين عليها، ويطلق على هذا الأسلوب أيضاً القوة الناعمة، بحيث تركن كل دولة من الدول إلى التنازل عن شيء في مقابل شيء آخر في إطار من توازن القوى والمصالح.
ولقد أيقنت الدول الكبرى في العصر الحديث أن اللجوء للحرب أبعد شيء يمكن اللجوء إليه واستعاضت عن ذلك باستخدام القوى الناعمة المختلفة الضاغطة، ونرى ذلك في تصريحات وزير الدفاع الإمريكي روبرت جيتس عام 2009 والذي نشرته مجلة فورين أفيرز حيث يقول: "يجب ألاّ يهمل أحد الأبعاد النفسية والثقافية والسياسية والإنسانية للحرب، ذلك لأن الحرب لايمكن إلاّ أن تكون مأساوية غير فاعلة".
ما من شك الآن في أهمية الدور المحوري الذي تلعبه قوة الضغط الناعمة متجسدة في كافة الأشكال الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وعلاقات الصداقة.
وسيظل العرب بثقافتهم ونهضتهم واقتصادهم وقوة ترابطهم وتأثيرهم في الحضارات الأخرى وحجم مساعدتهم الانسانية للأمم والشعوب قوة الضغط الأبرز عالمياً والتي لا يستطيع أن ينكرها أحد.