هنالك عيب في الرواية التي تقول إن وادي السيليكون يعمل على إحداث التعطيل المبتكر في قطاع صناعة السيارات: أمثال جوجل ربما لن تقوم بصناعة مركباتها الخاصة بها، سواء أكانت ذاتية القيادة أو خلاف ذلك. الذي سيقوم بذلك هو شركات السيارات التقليدية، تماما مثلما أن شركات التصنيع الخارجية هي التي تصنع أجهزة الهواتف النقالة التي تحمل العلامات التجارية المرموقة في وادي السيليكون.
ثم علينا ألا ننسى أن السيارات ربما ستحتاج إلى عجلة القيادة، أو ما نسميه «ستيرنج».
في المؤتمر السنوي الذي تعقده مجلة «أخبار السيارات» في ديترويت هذا الأسبوع، أوضح جون كرافسيك، الذي يدير مشروع سيارات جوجل ذاتية القيادة، أن شركة التكنولوجيا سوف تكون «بحاجة إلى الكثير من المساعدة في المرحلة المقبلة من مشروعنا» وسوف تحتاج إلى أن «تعقد شراكات أكثر وأكثر». السبب في ذلك هو أن «شركات صناعة السيارات لديها سجل حافل في إنتاج السيارات على نطاق واسع» وشركة جوجل ليست لديها خبرة في الإنتاج بالجملة في مجال السيارات.
من الواضح أن جوجل، عملاقة وادي السيليكون، كانت مفرطة في الطموح عندما قررت صناعة مركباتها ذاتية القيادة في عام 2014. إن مبادرة جوجل لصناعة السيارات من المحتمل أنها ستشبه برنامجها (نيكسوس) للأجهزة الجوالة: أي الهواتف وأجهزة الكمبيوتر اللوحي التي تصنعها شركات التصنيع القائمة وتعطيها علاماتها التجارية. ولا يقال عنها إنها أجهزة جوجل إلا لأنها تأتي وبداخلها نسخة تامة من نظام التشغيل أندرويد الخاص بالشركة، ولا تشتمل على أي منكهات تقدمها الشركات الصانعة.
في العام الماضي قال سوندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي لجوجل: «إن السبب وراء إنشاء معدات وقطع بالتعاون مع شركائنا في النظام البيئي هو أن نتمكن من توجيه النظام قدما». مع ذلك، لا تعمل جوجل على بناء أي شيء فعليا: حيث إن أحدث أجهزة نيكسوس، الهواتف الذكية 5 إكس و6 بي، صنعت من قبل شركة إل جي وهواواي، على التوالي.
الآن، بعد مرور 18 شهرا على تقديم جوجل مركباتها الأولية للجمهور، ينبغي أن يكون من الواضح أن شركات صناعة السيارات لن تسمح لشركات وادي السيليكون باحتكار البرمجيات التي تصبح الآن مهمة بشكل متزايد بالنسبة لأعمالها التجارية. في العام الماضي، جمعت شركات التصنيع الألمانية الموارد لشراء قسم التجوال Here (هير) من نوكيا. كما طورت فورد بديلا مفتوح المصدر لنظام أندرويد الآلي ونظام كار بلاي لشركة أبل- منتجات البرمجيات التي تربط الأجهزة المحمولة بأنظمة الكمبيوتر في السيارات- ووقعت شركة تويوتا على استخدامه. يبدو الأمر أن شركات صناعة السيارات يمكنها إنتاج أو التعاقد على إنتاج برمجيات متطورة. وهي تعمل على تكنولوجيا القيادة الذاتية الخاصة بها أيضا.
وحيث إن شركات صناعة السيارات تتخوف من السماح لجوجل وأبل بالسيطرة على جزء هام من منتجاتها، لدى شركات وادي السيليكون خيار ينطوي على استراتيجيتين: الأولى هي بناء أعمال تشغيل صناعة السيارات الخاصة بها، والتي تعد فكرة مكلفة بشكل هائل ومحفوفة بالمخاطر (تخيل أن تقوم جوجل أو أبل ببناء مصانع في حجم مصانع جنرال موتورز أو تويوتا). والثانية هي الاستعانة بمصادر خارجية، التي يمكن تطبيقها بطريقيتن: طراز أبل فوكسوم، حيث تبني الشركة المتعاقدة الصينية أجهزة بحسب مواصفات أبل وباسم علامتها التجارية، وطراز نيكسوس لجوجل. أغلب ظني أن الاستراتيجية الثانية هي الممكنة فقط، حتى بالنسبة لشركة أبل، التي لديها برنامج السيارات السري الخاص بها. ليست هناك أي شركة كبيرة لصناعة السيارات، وربما أي شركة كبيرة لصناعة قطع الغيار، سوف تقوم ببناء سيارات لا تحمل علامة تجارية من أجل أن تضع شركات التكنولوجيا علاماتها التجارية عليها: شركات صناعة السيارات لديها علاماتها التجارية القوية الخاصة بها، وهي تعلم أن شركات التوريد لأبل قد تكون مضطرة لتحمل مخاطر ضخمة.
أحد أسباب حاجة جوجل الماسة لشريك هي أنها تجد صعوبة في إعادة ابتكار السيارة ذات العجلات الأربع. بالنسبة لسيارات جوجل ذاتية القيادة، نشرت جوجل لتوها تقريرا حول 272 حالة خلال 15 شهرا طلب فيها برنامج السيارة من السائق أن يتولى القيادة والسيطرة على السيارة، إلى جانب 69 حالة عندما أمسك السائقون بعجلة القيادة لأنهم شعروا بالخطر. قالت جوجل إن الأحداث كانت نادرة إلى حد كبير، لكن حتى لو كان عددها قد انخفض بشكل كبير، من غير المحتمل أن تكون جوجل قادرة على تحقيق طموحها في إنتاج سيارات من دون عجلة القيادة، ومن دون دواسة البنزين أو دواسة الفرامل في وقت قريب.
لاحظ أن السيارة ذاتية القيادة هي في النهاية سيارة- باستثناء أنها ستكون قادرة على القيادة بنفسها في معظم الوقت. مقارنة بسيارات اليوم، ما سيجري هو تعزيزها، وليس إعادة ابتكارها.
لذلك، قد يكون من المنطقي إلى حد ما لشركات التكنولوجيا التنافس مع شركات صناعة السيارات التقليدية، لكن الأمر المنطقي تماما هو عقد شراكات معها. هنالك منافسون أضعف يمكن هزيمتهم- على سبيل المثال، أوبر وليفت، اللتان كانتا مصدر تخريب لقطاع النقل.
كانت جوجل تعتزم إنشاء وحدة منفصلة تابعة لشركة ألفابت القابضة بإمكانها تقديم جولات في سيارات ذاتية القيادة للإيجار. تعتبر الموارد في جوجل فائقة بشكل كبير مقارنة مع موارد أوبر، وإذا وجدت شركاء أقوياء في مجال التصنيع، يمكن أن تكون تخريبية لشركات النقل (أوبر وليفت) الجديدة بقدر ما كانت هي نفسها تخريبية لقطاع أعمال سيارات الأجرة.
إذا كانت هذه هي الطريقة التي تسير فيها الأمور بنجاح، فإن قطاع صناعة السيارات يمكن أن يعاني أيضا. وفقا لتقرير بنك باركليز العام الماضي، قد يقلل إنتاج السيارات ذاتية القيادة من ملكية المركبات بنسبة 50 بالمائة والطلب السنوي على المركبات بنسبة 40 بالمائة في غضون 25 عاما. لكن علينا ألا ننسى أن شركات صناعة السيارات تطلع على هذه التوقعات أيضا. من المرجح أنها تعمل منذ الآن على خطط خاصة بها من أجل صناعة سيارات ذاتية القيادة للشركات التي تعمل في مجال تأجير السيارات. شركة ديملر بنز وشركة BMW لديها منذ الآن مشاريع في ما يعرف باسم «اقتصاد المشاركة». وربما تحصل أوبر أيضا على المساعدة منها.
ليس من الضروري أن تكون الشركات القائمة ضحايا سلبية في الوقت الذي «تستولي فيه البرمجيات على العالم». القدرة التصنيعية لا تزال مهمة، خصوصا عندما تقترن بالانفتاح العقلي والمرونة.