تمضي بي الساعةُ يا وطني
تركضُ تركضُ بالأبيضِ
فوقَ خدود أبي
ويجفُّ الوردُ الأحمرُ فوقَ التلَّةِ ملقىً
ويغورُ الماءُ بقعرِ البئرِ
وتمحَى آثارُ الطيرِ علَى النبعِ الصافي
وتشيخُ الطرقاتُ وروضةُ أطفالِ الحيّ
ولكنّ الحبَّ هوَ الحبُّ..
لا يهرمُ لا يغزوهُ الشيبُ
يا أنتَ المزروعُ ببيدرِ عمري سنبلةً
لا تعبقُ إلا بأريجِ المجدِ الزاكي
في أفقكَ أطلقتُ عصافيرَ الوجدِ..
كتبتُ رسائلَ حبّي الولهى
وفتحتُ علَى طلعةِ صُبحِكَ شُبّاكي
يا أنتَ المنصوبُ على رابيةِ التاريخِ
كرايةِ عزٍّ تحضنُ خاصرةَ الشمسِ وتعلُو
لا تعرفُ ليلاً إلاّ حينَ يرقُّ الليلُ
يا أنتَ الموشومُ بومضِ الألقِ الذهبيِّ
على ذاكرةِ الأيّامِ غراماً
لا تطمسُهُ الريحُ و لا يتغيرُ أو يتبدل
يا وهَجَ السعفِ الأخضرِ
لاحَ علَى جفنِ الدنيا
لا ترفعُه الأشعارُ شِعاراً
بل تكتبُهُ المسحاةُ ويقرؤهُ المنجلْ
ويقفّيهِ الماءُ قصيدةَ نخلٍ لا تثمرُ ذلّةْ
وزنَتْه العزّةُ فوقَ سواعدِ أجدادي ..
وزنتْهُ تفاعيلَ على بحرِ وفاءٍ دونَ زحافٍ أو علّةْ
يا أنتَ الصامدُ في وجهِ الريحِ
وتأبَى التقطيعَ علَى غيرِ عَروضِ الفخرِ
سيُهزَمُ كلّ مخطّطِ ذئبٍ
حاوَلَ يوماً يسلبُ منَّا طَرَفاً طَرَفاً نحو العزلَةْ
وطني ..
يا نجمَ أمانٍ قدسيّ اللمعةِ لاحَ علَى الأهدابْ
أقسمتُ بأنَّ بيوت اللهَ تقيم بأرضكَ
حيثُ اللهُ ينافي الإرهابْ
يا وطنَ النخلِ ومجلىِ التمرِ
وصفوَ الماءْ
أسرفتُ، أحبّك حباً جماً حتَّى رفَّ الحبُّ لواءْ
وأتيتُ أقودُ قوافلَ شعري
معنىً معنىً في البيداءْ
يا خيمةَ هذي البدْوِ الرحّل
يا صوتَ الوتَرِ الصادحِ ملءَ ربابتهم
يا كلَّ معاني النخوةِ يا معطاءْ
يا رائحةَ البنّ العربيِّ
يا نَغَمَ الخيلِ إذَا صهلتْ فزّ الرملُ تموسقهُ الريحُ
و سالَ الينبوعُ على ظمئي فأزهَرَ في القلبِ، فداءْ
من صفوكَ أسبغتُ وضوئي
وأقمتُ صلاةَ الحبِّ علَى أرضكْ
ووقفتُ أمامَ النخلِ الشامخِ حصناً
يدفَعُ يدفَعُ عن عَرضِكْ
في عيدكَ يا وطني
اخضلّ ربيعُ الشوقِ إلى لقياكَ وسالَ أغاني
وأتيتُ تسابقني اللهفةُ
أنزعُ أرديةَ الخوفِ وألبسُ ثوبَ أماني ..
يرحلُ صوتي .. يرفعُ فوقَ مسامعِ هذَا الكونِ أذاني
أسرحُ فوقَ مروجكِ طفلاً
خلفَ الضوءِ بريئاً يعدُو
أقفُ الآنَ على غصن غرامِكَ
عصفوراً يشدو..
الحبّ أيا وطنَ الحبِّ إذا شئتُ أعرّفُهُ
جفَّ الحرفُ علَى شفتي
لكنْ من عُمقِ عيونك أغرفُهُ
الحب أيا وطني: لغةٌ
لا يفهمُها إلاَّ القلبُ الساكنُ فيهِ اللهُ
لا يفهمُهَا القاتلُ
حينَ يُعدّدُ باسمِ الدينِ جنائزَ قتلاهُ
لا يفهَمُها إلاَّ السابحُ في أوردةِ العشقِ الوطنيةْ
لا يفهمُها البارودُ ولا النيرانُ
وأسلحةُ الحقدِ النوويّةْ