الأموال تتدفق خارج الصين بالسرعة التي تدفقت فيها مرة إلى داخلها، وهذا مأزق بالنسبة لتشي جين بينج.
لا تحتاج أن تكون خبيرا في التمويل لتعرف أن هناك شيئا ما خطأ عندما يصل سعر الفائدة ما يقرب من 70 في المائة. مع تراجع آفاق النمو في الصين وتدفق رؤوس الأموال إلى خارج البلاد، يراهن المضاربون بشكل كبير ضد اليوان. من الناحية العملية أعلن بنك الشعب الصيني الحرب عليهم في أوائل يناير، موجها بنوك الدولة لشراء مبالغ كبيرة من العملة في هونج كونج؛ لدعم قيمته وحرق البائعين على المكشوف. وحين أصبح اليوان نادرا بصورة مفاجئة في هونغ كونغ، بلغت التكلفة السنوية للاقتراض بين عشية وضحاها 66.82 في المائة في 12يناير - أكثر من 10 أضعاف سعر الفائدة المعتاد (وتراجعت إلى 8 في المائة في اليوم التالي.) مايكل إفري، رئيس قسم أبحاث الأسواق المالية في مجموعة رابوبنك، وصف ارتفاع المعدل هذا بأنه "قاتل" وتوقع أن الأمور لن تنتهي بشكل جيد بالنسبة للسلطات الصينية. وقال لبلومبيرج: إن البنوك المركزية "عادة ما تفوز بجولة من هذا القبيل، ولكن تخسر في النهاية".
البنك المركزي الصيني لا يرتجل الإجراءات. فهو يأخذ تعليماته من الحكومة، التي تعني الرئيس تشي جين بينج. قام تشي بدهاء بتعزيز السلطة منذ توليه في عام 2012، لكن يبدو أنه مصاب بالحيرة والارتباك في التعامل مع الأسواق الحرة، في بعض الأحيان يسمح لها بالعمل وأحيانا أخرى يحاول خنقها، كما حدث بالنسبة لقواطع الدائرة التي فشلت في وقف التدهور في أسعار الأسهم.
أحد الأسئلة الكبيرة أمام الاقتصاد العالمي في عام 2016 هو: ما هي الخطوة التالية التي سيقوم بها تشي لوقف هروب رؤوس الأموال، على اعتبار أن ذلك يهدد باستنزاف الأموال من الصين حيث النمو ضعيف أصلا. أحد الخيارات هو إغراء المال للعودة من خلال جعل البلاد أكثر تشويقا في نظر المستثمرين الصينيين والأجانب. ومن شأن ذلك أن يشتمل على تحرير أسعار الفائدة ووقف الإقراض الموجه إلى حد كبير للشركات المملوكة للدولة والحكومات المحلية المثقلة بالديون. ولكن ذلك يتطلب تخفيف سيطرة الحزب الشيوعي على الاقتصاد ويضر ببعض الدوائر المحلية القوية، مثل: الشركات التي تحظى بالرعاية منذ فترة طويلة، ورؤساء المقاطعات. وبالتالي فإن الإغراء لإطالة أمد القيادة والسيطرة سيكون كبيرا.
صحيح أن فرض إجراءات صارمة من شأنه أن يهدد طموح الصين في أن تصبح مساوية للولايات المتحدة في التمويل العالمي. ولكن هذا قد يعزل الصين من تقلبات لا يمكن التحكم فيها للأسواق المالية العالمية، التي وصفها ذات مرة المستثمر جورج سوروس في تعبيره الذي لا ينسى، حيث قال إن الأسواق المالية هي أقرب إلى الكرة المدمرة منها إلى البندول.
يقول بعض مراقبي الصين إن هناك إجابة منذ الآن على السؤال بخصوص التوجه الذي يسعى إليه الرئيس تشي. تتوقع اليسيا غارسيا-هيريرو، كبيرة الاقتصاديين عن منطقة آسيا والمحيط الهادئ في ناتيكسيس آسيا، وهي وحدة من مجموعة BPCE، ثاني أكبر شركة مصرفية في فرنسا: "الصين ستصبح مغلقة بشكل متزايد في وجه بقية العالم". وتضيف: "عقلية تشي جين بينج هي تلك العقلية التي تكون فيها الصين في مركز اقتصاد العالم ولكن ليس بالضرورة مفتوحة أمام بقية العالم، أو على الأقل ليست عرضة لذلك."
يبدو أن تشي يدرك أنه دفع ثمنا باهظا مقابل الحصول على شرف اشتمال اليوان الصيني، ابتداء من أكتوبر الماضي، في سلة وصندوق النقد الدولي لاحتياطي العملات، جنبا إلى جنب مع الدولار واليورو والين والجنيه الاسترليني. حيت يتم تضمين اليوان في هذه السلة، كان ينبغي على الصين إثبات أن سعر صرف اليوان "يمكن استخدامه بحرية". هذا ما اضطره إلى خفض بعض الحواجز الداعمة للاستثمار وهروب رؤوس الأموال التي تعصف الآن بالقيادة. في أكتوبر قدّر معهد التمويل الدولي أن صافي تدفقات رؤوس الأموال الخارجة من الصين ستصل إلى 478 مليار دولار في عام 2015. ويقول معهد التمويل المالي إن هناك تقديرات جديدة (ستعلَن قريبا) يمكن أن تظهر تدفقات أكبر.
من الجدير إلقاء نظرة فاحصة على ما يعنيه "هروب رأس المال" حقا بالنسبة للصين. تدفقات رؤوس الأموال إلى خارج البلاد ليست بالأمر السيء بالضرورة. إنها مجرد صورة طبق الأصل لفائضها التجاري. كلما تختار الصين استخدام مبالغ الدولار أو اليورو أو الجنيه الاسترليني أو الرينجت (الماليزي) المتأتية من الصادرات لشراء الأصول الأجنبية، فإنها ترسل رؤوس الأموال إلى الخارج. كثير من المقتنيات الأجنبية تعزز الصين اقتصاديا وسياسيا.
المشكلة الآن هي رغبة المال في الخروج من البلاد أكثر من رغبته في الدخول إليها. والدليل على ذلك هو الحسابات التالية: في العام الماضي، كما يقدر معهد التمويل الدولي، كان لدى الصين ما يزيد قليلا على 250 مليار دولار داخلة إلى الصين من الفائض في حسابها الجاري، وهو أوسع مقياس للتجارة. حصلت على مبلغ إضافي قدره 70 مليار دولار أو نحو ذلك في صافي رأس المال من غير المقيمين، بما في ذلك الشركات التابعة للشركات الصينية في الخارج. ولكن تلك التدفقات تراجعت أمام الرقم القياسي في صافي التدفقات الخارجة (التي بلغت 550 مليار دولار) من قبل الأفراد والشركات داخل الصين.