شهدت فعاليات الحلقة النقدية بأدبي جدة الثقافي مداخلات ونقاشات أثرت اللقاء الذي تميز بطرح المحاضر الدكتور سعيد السريحي، بورقته (شجاعة العربية وأوهام النقاء)، فيما أدار اللقاء الدكتور محمد ربيع الغامدي.
بدأ السريحي بالحديث عن فكرة نقاء اللغة على العلماء الذين سعوا إلى جمع شتاتها في المراحل الأولى من التدوين، فلم يأخذوا من حضري قط ولا من سكان البراري المجاورين لغير العرب من الأمم، ولم يؤخذ من لخم ولا من جذام لأنهم كانوا مجاورين لأهل مصر والقبط، ولا من قضاعة ولا من غسان ولا من إياد؛ لأنهم مجاورون لأهل الشام، ولا من تغلب ولا من النمر لأنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونانية، ولا من بكر لأنهم كانوا مجاورين للنبط والفرس، ولا من عبد القيس لأنهم كانوا سكان البحرين مخالطين للهند والفرس، ولا من أزد عمان لمخالطتهم للهند والفرس، ولا من أهل اليمن أصلا لمخالطتهم للهند والحبشة وولادة الحبشة فيهم، ولا من بني حنيفة وسكان اليمامة ولا من ثقيف وسكان الطائف لمخالطتهم تجار الأمم المقيمين عندهم، ولا من حاضرة الحجاز لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدأوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم وفسدت ألسنتهم، ولم تسلم قريش وهي التي عدها اللغويون من أجود العرب انتقاء للأفصح من الألفاظ من هذه الريبة، فلم يسع إليها من سعوا إلى جمع اللغة، فاختلاطها بالأمم طغى على فصاحتها فلم يعد بالإمكان التعويل عليها واكتفى العلماء بالإقرار بفصاحتها ثم انحرفوا عنها إلى قبائل أخرى استقوا منها اللسان العربي.
وقال السريحي: "إذا كان فساد الألسن قد تفشى في أعقاب نشوء الحواضر في العراق والشام، فإنه كان يطل برأسه قبيل ذلك على نحو ما تحدثنا الروايات عن ظهور اللحن في زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين، والفصاحة التي راح يتلمسها العلماء لدى القبائل المنعزلة في باديتها جعلتهم ينأوون عن القبائل التي تسكن أطراف الجزيرة العربية، ويرون أن الضعف والزيغ قد تسرب إليها مبكرا، وإنها كانت مستضعفة اللسان بحكم جوارها لغير العرب".
وأضاف: "من هنا كان الذهاب إلى عمق الصحراء العربية في عزلتها وبعدها عن المؤثرات الحضارية ضربا من المصادرة للحواضر العربية وراح العلماء يلتمسون للعربية الخالصة جذورا في القبائل المنقطعة عن المدنية ثم يذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك حينما يكون العرب العاربة أو العرب الخلص أمما فنيت ولم يعد لها وجود في غير كتب الرواة والإخباريين، فهم تسع قبائل من ولد إرم بن سام بن نوح، عاد وثمود وأميم وعبيل وطسم وجديس وعمليق وجرهم ووبار، أما المتبقون فعرب متعربة أو عاربة وليسوا بعرب خلص كما يريدون لأنفسهم، وإذا كنا اليوم نهيئ أنفسنا لمواجهة حضارية لا نمتلك كثيرا أو قليلا من وسائل الاستعداد لها فإننا مطالبون بردم هذه الفجوة التي تمتد عميقا في تاريخنا وتنخر على نحو أعمق في وعينا".
وفي ختام ورقته.. قال السريحي: "ولنا إن أحسنا قراءة القرآن وتدبرنا لغته أن ندرك كيف أنه جاء نموذجا للغة المتحضرة التي تلتقي فيها الثقافات وتتحاور اللهجات، كما كانت تتجاور القبائل وتتحاور الأمم في مكة أم القرى، ما تعنيه تلك الأمومة من احتضان للتعدد وتسليم بمبدأ التجاور وبذلك نلج بابا يمكن لنا من خلاله أن نلتمس شجاعة العربية مخلصين أنفسنا من أوهام يمكن لها أن تكون صفة لمجتمعات موغلة في عزلتها وبداوتها، ولا يمكن لها أن تكون سمة لمجتمعات متحضرة".
وعلق الناقد علي الشدوي الذي أشار مداخلا من حيث فكرة تأطير ورقة السريحي وإلى فكرة النقاء اللغوي، فيما شهدت الحلقة التي حضرها عدد من النقاد والمهتمين مداخلات ما بين مؤيدة او معارضة لما طرح الدكتور السريحي ومن بينهم الدكتور عبدالله الخطيب والدكتور احمد ربيع والدكتورة لمياء باعشن والدكتورة اميرة كشغري وسعيد فرحه وشعلان الشمري وصالح فيضي وزيد الفضيل وسناء الغامدي واعتدال السباعي.
الجمعية العمومية
ومن المقرر أن يعقد النادي جمعيته العمومية لعام 1437للهجرة اليوم الاربعاء، في تمام الساعة الثامنة بمقر النادي، فيما وجه رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي الثقافي بجدة الدكتور عبدالله السلمي الدعوة لكافة الأعضاء؛ لحضور انعقاد اجتماع الجمعية العمومية للنادي؛ لمناقشة الموضوعات المدرجة ضمن جدول أعمال الجمعية، وتتركز حول إقرار ميزانية النشاط للعام 1437هـ وإقرار النشاط الثقافي.