انتشرت مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع تظهر عنفا بين عدد من طلاب المدارس في المملكة، وعلى الرغم من أن هذا الموضوع لم يرق لمستوى الظاهرة لتعمم على التعليم السعودي بشكل عام، إلا أن هذه الحوادث الفردية والقليلة بحاجة لدراسة ومعرفة أسبابها وطرح الحلول المناسبة لها.
خلل بين التعليم والتربية
حول ذلك يوضح عبدالرحمن العمري الأخصائي النفسي أن العنف المدرسي هو ممارسات نفسية أو بدنية أو مادية يمارسها أحد أطراف المنظومة التربوية وتؤدي إلى إلحاق الضرر بالمتعلم، أو بالمعلم أو بالمدرسة ذاتها، موضحًا إنّ العنف يعتبر ظاهرة متفرعة الأسباب متنوعة المظاهر ومن أبرز أشكاله العنف مع الذات، والعنف تجاه الآخرين، والعنف تجاه المحيط والتجهيزات، وهو غير مقبول اجتماعياً سواء مورس داخل المؤسسة التربوية أو خارجها، فهناك نوع من الخلل بين التعليم والتربية بوجود فراغ وهوة بين دور التعليم وهدفه التربوي، من خلال التأثر بالمظاهر السلبية التي تقدمها وسائل الاتصال الحديث، وبروز أشكال جديدة من الانحراف السلوكي كالمخدرات والإرهاب والعنف.
وأشار العمري إلى عدم نجاعة الطرق التي تلجأ إليها المدرسة لمواجهة العنف عبر اكتفائها بالإجراءات التأديبية، وفي بعض الأحيان رفعها إلى القضاء، إذ لا بدّ من بحث معمق للمشكلة بإيجاد آليات لمرافقة هؤلاء الأطفال والمراهقين، خاصة أولئك الذين يعانون مشاكل اجتماعية داخل أسرهم، وهي المشاكل التي تؤثر عليهم أثناء وجودهم في المؤسسات التربوية، فالمدرسة غير قادرة وحدها على تحمل العبء فلا بد من تفعيل دور كافة عناصر العملية التعليمية والبيئة المحيطة.
العنف الاتصالي
بدوره يرى أحمد عبدالواحد معلم في المرحلة الثانوية أن انتشار وسائل الاتصال بين التلاميذ من هواتف جوالة وحواسيب محمولة، وانخراط الآلاف منهم في فضاءات التواصل الاجتماعي، ساهم في ظهور نوع جديد من العنف أصبح متداولا بكثرة فيما بينهم، كتوجيه رسائل التهديد عبر الهواتف الجوالة أو إنشاء صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي للتحريض على زميل لهم وتشويه سمعة أحد المدرسين وحتى نشر الصور الفاضحة والتهديد وبث الرعب.
وأضاف عبدالواحد: لقد ساهم التعصب الرياضي الذي نشهده منذ سنوات، وظاهرة العنف في الملاعب الرياضية في انتشار نوع جديد من العنف مصدره مجموعات من التلاميذ من مشجعي الفرق الرياضية، والذين حوَّلوا الفضاء المدرسي إلى ساحات لتبادل العنف اللفظي والجسدي دفاعا عن فرقهم الرياضية، ما أدى في العديد من الأحيان إلى حالة من الفوضى.
العنف تجاه الذات
وتشير عائشة البلوي الخبيرة التربوية إلى أن أخطر أنواع العنف هو العنف تجاه الذات ويظهر في الميل إلى العزلة والاكتئاب المفرط وإحساس صاحبه بأنه منبوذ، وأحيانا يبلغ التطرف مع الذات إلى حد الانتحار حين يحس المرء بأن حياته دون جدوى، وهذا بسبب ضعف التأطير وغياب ثقافة الحوار واعتبار النجاح في الحياة أهم من النجاح في الدراسة.
وأضافت: يعتبر العنف المجسد من خلال الكتابة أو الرسم على جدران المدرسة أو داخل الحمامات أو على أغلفة كتبهم، وهي وسائل موجهة إما لزملائهم ممن يعتبرون «أعداء» لهم أو لمعلميهم، وعادة ما تتضمن هذه الكتابات والرسوم تهديدات تصل إلى «الانتقام» وتشويه السمعة والتحريض ضد التلاميذ والأساتذة.
وبينت البلوي أن أهم طرق العلاج من خلال فتح الحوار الهادئ مع التلميذ المتصف بالسلوك العنيف، وإحلال نموذج من السلوك البديل الذي يكون معارضاً للسلوك الخاطئ ليكون هدفاً جذاباً للتلميذ من خلال ربطه بنظام للحوافز والمكافأة، وضرورة توظيف ما يسميه علماء النفس بالتدعيم الاجتماعي والتقريظ لأي تغير إيجابي، وإذا كان لا بد أن تمارس العقاب، فيجب أن يكون سريعاً وفورياً ومصحوباً بوصف السلوك البديل، والقيام بتدريب الطفل على التخلص من أوجه القصور التي قد تكون السبب المباشر أو غير المباشر، في حدوث السلوك العنيف مثل تدريبه على اكتساب ما ينقصه من المهارات الاجتماعية، وعلى استخدام اللغة بدلاً من الهجوم الجسماني، وعلى تحمل الإحباط، وعلى تأجيل التعبير عن الانفعالات، وعلى التفوق في الدراسة، وعدم الإسراف في أسلوب العقاب أو التهجم اللفظي فهذه الأنماط من السلوك ترسم نموذجا عدوانياً يجعل من المستحيل التغلب على مشكلة السلوك العدواني لديه بل قد تؤدي إلى نتائج عكسية.