القطار يسير مسرعاً، تلك السرعة لم تمنع مجموعة من الأطفال من اللعب والتدافع داخل القطار، إلى حد إزعاج الركاب، لم يحرك أحد ساكناً، أو يمنعهم من مواصلة لعبهم وإزعاجهم، والدهم الذي كان معهم لم يحرك ساكنا أيضا، وكأنه في عالم آخر، تشجع أحد الركاب للحديث مع الأب، وبادره مخاطبا بلهجة مؤدبة، ألا تعتقد أن أطفالك يسببون إزعاجاً للركاب؟
اعتذر الأب - أيضا - بطريقة مؤدبة، وأشار إلى أنه فعلا كان يجب أن يتحرك لإيقافهم، وأضاف... «انشغالي عنهم كان بسبب تفكيري في حالهم، حيث للتو عدنا من دفن والدتهم التي توفيت اليوم...».
أسقط في يد ذلك الرجل، وتمنى أن الأرض قد بلعته ولا يقف ذلك الموقف، بالرغم من أن ما قام به عمل صائب، وبالرغم من حديثه المؤدب مع الأب، إلا أن القضية توضح، أننا في كثير من الأحيان نرى بعض القضايا من زاوية واحدة، ولو قُدر لنا أن نراها من زاوية أخرى لاختلف كلامنا وموقفنا تماما، وكنا في غنى عن الكثير من النتائج السلبية لكلماتنا أو مواقفنا، فالكلمة عندما تخرج من لساننا أو عبر قلمنا لا يُمكن إرجاعَها، ولا يُمكن إصلاح نتائجها بسهولة.
تلك القصة تحكي حالة من الحالات التي قد تصيبنا نحن، فنرى أمرا ما أو كلاما لشخص أو أشخاص، فنظن بهم الظنون، ونسيء التقدير ونخطئ التشخيص، ونبادر وبقوة لنقدهم والحديث عنهم بل والإساءة لهم أحيانا، دون التنبه أو التروي، أو حتى وضع احتمال الخطأ في موقفنا، فنظن في الآخرين أشد الظنون وأقساها، مخالفين الأحاديث التي تقول احمل أخاك المؤمن على سبعين محملا من الخير، وابحث لأخيك عن عذر، وغير ذلك من المقولات التي تصب في هذا الإطار، وقد يترتب على ذلك مواقف خطيرة جدا أحيانا، الدكتور عبدالله الحريري كتب قبل أيام في هذه الجريدة مقالا جميلا ضمن هذا المعنى، فقال «إن أصعب ما يؤثر على اقتصاديات المجتمعات المستقرة ويخلق الفوضى، صناعة قرارات مصيرية على أرقام واستنتاجات غير واقعية»، نعم نقوم في بعض الأحيان باتخاذ قرارات آو مواقف بناء على استنتاجات غير واقعية، وقد يهون الأمر إذا كانت القضية فردية، أما إذا كانت القضية مرتبطة بمجاميع متعددة أو مرتبطة باستقرار الوطن، فان تلك القرارات غير الواقعية يكون لها نتائج كارثية، وقد تؤدي إلى فوضى في مجتمعات مستقرة، كما يشير الدكتور عبدالله. في كثير من الحالات إذا كنت نريد أن تعرف لماذا تصرف شخص ما باتجاه معين، من الأفضل أن تضع نفسك مكانه، لكي تعرف لماذا قال ما قاله، أو تصرف التصرف المعين، نحن نرى في إجراءات القضاء ضرورة التأكد من الأدلة حتى لو كان نتيجتها إفلات من نعتقد أنه مذنب من ذنبه، وذلك أفضل من الحكم على شخص قد يكون بريئا قبل اكتمال الأدلة، لذا فحري بنا أيضا أن نكون أشبه بالقضاة، فيجب التريث وعدم التسرع قبل إصدار الأحكام والمواقف، حتى لا نسيء إلى الآخرين وإلى أنفسنا ومن ثم إلى وطننا، ونرتكب ذنبا كبيرا، سنحاسب عليه يوم القيامة بكل دقة، والله المستعان.