سمي مؤتمر دافوس نسبة الى مدينة دافوس التي تقع على نهر الاندويسر في سويسرا، وهي مدينة جميلة اشتهرت منذ القدم بأنها مدينة الاستجمام والراحة للأثرياء والمشاهير والمفكرين والكتاب والباحثين والطبقات الارستقراطية في المجتمع، لأن مناخها يختلف عن المدن الأوروبية الشهيرة مثل لندن وباريس وبرلين، حيث تعتبر دافوس اعلى المدن الأوروبية حيث ترتفع 1560 مترا عن سطح البحر. وقد ساهم المؤلف الألماني توماس مان في شهرة مدينة دافوس حين ذكرها في روايته عام 1924 (الجبل السحري)، ويعتقد علماء النفس ان الأجواء الجميلة تؤثر ايجابيا على الإنسان باتخاذ القرارات الجيدة. كما ان صغر مساحة المدينة وسهولة التأمين الأمني اللازم لرجال السياسة ورؤساء الدول يعطيها هذه الميزة المنفردة.
في عام 1971 ميلادي أسس استاذ علم الاقتصاد كلاوس شواب منتدى دافوس الذي يجمع نخبة من رجال الاقتصاد والمال والأعمال برجال السياسة الذين يحركون الاقتصاد العالمي، حيث يطرح في هذا المؤتمر المشاكل والعوائق الاقتصادية على رجال السياسة لحلها وتطويرها، وإزالة العوائق لخلق مناخ استثماري عالمي افضل، وايجاد شراكة عالمية تعود بالمنفعة على العالم بأسره. ولهذا نجد ان الأمم المتحدة تكون عادة ممثلة بأمينها العام ورئيس البنك الدولي وكبار ممثلي منظمة التجارة العالمية.
اما بالنسبة للشركات، فهناك شروط للاشتراك في هذا المنتدى، حيث يشترط ان لا يقل دخل الشركة عن مليار دولار بالسنة، الى جانب اشتراك عضوية سنوي من 50 الى 500 الف دولار. واذا أرادت الشركة الاشتراك في وضع أجندة في المؤتمر تدفع ما يقارب 250 الف دولار، وبذلك يحق لها طرح فكرتها ورؤيتها في واحد من اكبر المحافل الدولية الاقتصادية. وبالرغم من اهمية هذا المؤتمر الاقتصادية، إلا انه يتحول احيانا الى مبارزة سياسية بين القادة السياسين والمتخاصمين. وقد انتقد كثير من المفكرين والاقتصاديين ان مؤتمر دافوس تحول الى ابراز وتلميع الشخصيات السياسية. وقد اصبح هذا المؤتمر منبرا للخطابة لكسب الشعبية بالنسبة للسياسيين، وقد وصف العالم والفيلسوف افرام نعوم تشومسكي مؤتمر دافوس السنوي بأنه يهمش بوضوح الفقراء وغير ذوي المناصب والنفوذ والمال في المناقشات الدولية.
اما اذا تطرقنا الى مشاركة السعودية في مؤتمر دافوس فكانت مشاركة خجولة نوعا ما، ففي مؤتمر دافوس الأخير الذي عقد في الفترة من 20-23 يناير بحضور اكثر من 2500 مشارك من 100 بلد، بينهم 40 من رؤساء دول وحكومات يناقشون أهم القضايا الاقتصادية المستجدة على الساحة الدولية بما فيها اسعار النفط الذي يعتبر المصدر الأساسي لنا في المملكة العربية السعودية، كما ناقش المؤتمر الثورة الاقتصادية الرابعة ومشكلة اللاجئين، وكل هذه النقاط تمس دول الشرق الأوسط بالأساس وهي المتضررة منها.. لقد كانت الفرصة سانحة لطرح مشاكلنا الاقتصادية ورؤيتنا لحلها كما كانت فرصة لجذب الأنظار لمقدرتنا الاقتصادية الأخرى بعيدا عن النفط. وقد ذكرت بعض المصادر الإعلامية ان العضو المنتدب والمدير التنفيذي لمدينة الملك عبدالله الاقتصادية قام بعقد خمسين اجتماعا خلال مدة انعقاد المؤتمر لجذب الاستثمارات. وهذا يظهر العمل الفردي والاجتهاد الشخصي لهذا الرجل الاقتصادي النشيط، لكن كان المطلوب عملا جماعيا منظما لإقناع المستثمرين والشركات اننا نملك البنية التحتية لإنشاء اكبر وأهم المصانع العالمية على أرض المملكة، وأن السعودية على استعداد ان تكون الشريك الذي يوفر جميع عوامل النجاح للشركات العالمية.. لقد دفعنا المليارات لإنشاء المدن الاقتصادية والصناعية لكن يبقى التسويق لهذه المدن.
إن هذه المشاريع لن تنجح اذا لم نستطع جذب رؤوس الأموال والشركات العالمية خصوصا الشركات الغربية ذات التقنية العالية.. اننا نملك الأفضلية على مستوى العالم؛ حيث اننا نستطيع توفير الطاقة الأرخص لتشغيل المصانع، ولكن ينقصنا التسويق والتشريعات المناسبة لجعل المملكة موطن الشركات العالمية.