حذر ماريو دراجي الأسبوع الماضي من أنه سيتعين على البنك المركزي الأوروبي أن يكون حتى أكثر تيقظا في مواصلته لفترة ولايته، بفضل «المخاطر السلبية» الجديدة. وبدا هذا بأن دراجي يتحدث عن جولة أخرى من التحفيز، ربما تكون قريبة في اجتماعه المقبل في شهر مارس. أمضى بعض الوقت هذا الأسبوع في صد الانتقادات التي مفادها أن سعيه العنيد لتحقيق هدف التضخم الذي يقارب 2 بالمائة للبنك المركزي الأوروبي هو حماقة.
النقاد على حق. حيث كان لحملة التسهيل الكمي في البنك المركزي الأوروبي القليل من الأثر حتى الآن والمزيد من هذا التسهيل لن يؤتي بنتائج مختلفة. بدلا من ذلك، تحتاج حكومات منطقة اليورو إلى إيجاد طريقة لزيادة الطلب وحفز الائتمان.
بفضل بعض البحوث الشاملة الجديدة والتجارب الأخيرة، يجري فهم الحدود على برنامج التسهيل الكمي الآن بشكل أفضل مما كانت عليه في عام 2008، والآثار المترتبة على برنامج البنك المركزي الأوروبي واضحة للغاية. استعرض ستيفن ويليامسون، مؤلف دراسة حديثة خاصة بالاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، التدابير المتخذة من قبل المصرف خلال فترة «الركود العظيم» (2007-2009)، بما في ذلك أسعار الفائدة القريبة من الصفر، والتسهيل الكمي واسع النطاق، وبرنامج الإرشاد المتقدم، وخلص إلى أنه «ليس هنالك أي عمل، على حد علمي، يؤسس صلة من برنامج التسهيل الكمي للأهداف النهائية للاحتياطي الفيدرالي- التضخم والنشاط الاقتصادي الحقيقي». على العكس من ذلك، وجد أن الأدلة المتوافرة «تشير إلى أن التسهيل الكمي كان غير فاعل في زيادة التضخم».
استمر البحث في استعراض كيف أن العديد من البلدان (الولايات المتحدة وسويسرا واليابان) التي شهدت «عمليات شراء ضخمة من قبل البنك المركزي» كان فيها تضخم متدنٍ للغاية أو انكماش. كان التسهيل الكمي مفيدا في تقديم السيولة للأسواق المالية وبشكل مؤقت زيادة أسعار بعض الأصول. لكن أثره على التضخم يبدو في الواقع بأنه كان محدودا. لم يفسر ويليامسون السبب في هذا، أغلب ظني هو أن التضخم الضئيل الذي شهدناه في بداية برنامج التسهيل الكمي كان سببه المستثمرون الذين كانوا يبحثون عن ملجأ في النفط والسلع الأساسية الأخرى في توقع أن التسهيل الكمي قد يكون أكثر فاعلية.
تشترك أوروبا اليوم في كثير من القواسم المشتركة مع الموقف الذي يواجه الولايات المتحدة خلال تلك الفترة. يعتبر الانكماش، أو التضخم البطيء، حميدا عندما تحدث الانخفاضات في الأسعار بسبب الزيادة في العرض وليس مجرد الانخفاض في الطلب. لاتجاه التضخم المنخفض اليوم جذوره في تحرير التجارة بالإضافة إلى دخول كل من الصين وروسيا في الاقتصاد الدولي باعتبارهما من الموردين الكبار الجدد للبضائع والسلع الأساسية الصناعية. لكن هذا العرض الإضافي تزامن مع ركود في الطلب، ما أدى إلى تقييد الائتمان، وحدوث جولة أخرى من التحفيز في شهر مارس لن يكون لها الأثر الكبير.
في الوقت الذي يغالي دراجي في تقدير قدرة البنك المركزي الأوروبي على تحقيق هدف التضخم، يقلل من تقدير قدرته على إلحاق الضرر أثناء المحاولة. في بيئة حميدة من التضخم المنخفض (أو حتى البيئة الانكماشية)، فإن عمليات شراء السندات في البنك المركزي تشبه استخدام المنشطات للاسواق المالية: حيث انها تعزز التقلبات عن طريق تشجيع مبالغ أكبر من أي وقت مضى من المال للتحول من السندات الحكومية إلى السندات ذات العوائد المرتفعة وإلى الأسهم. بعد ارتفاع أولي في المستوى، سوف يتم تصحيح أسعار الأصول المتضخمة تلك، ما يعمل على إتلاف الثروة الوهمية التي قدمتها طباعة الأموال. يجب في النهاية أن يتم تفكيك الأضرار الاقتصادية طويلة الأجل التي وجدت من خلال سوء توزيع الموارد.
ما تحتاجه أوروبا هو دَفعة من جانب الطلب من ذلك النوع الذي كان لدى الولايات المتحدة بموجب قانون إعادة الاستثمار والانتعاش الأمريكي - وهو، نسخة أوروبية من الحافز المالي العام لعام 2009 الذي قدم مبلغ 830 مليار دولار كحوافز للاقتصاد الأمريكي والذي تشير تقديرات مكتب الميزانية في الكونجرس إلى أنه عمل على رفع الناتج المحلي الإجمالي بمتوسط 1 بالمائة سنويا ولخمس سنوات.
المشكلة في هذا الحل هي أن القيود المؤسسية الأوروبية تعمل في الاتجاه المعاكس: حيث ان الدول الأعضاء المنفردة ملزمة بمعايير معاهدة ماستريخت المتعلقة بالعجز وإنفاق الديون، التي غالبا ما تتمثل بالحد من الاستثمار بدلا من كبح جماح عادات الإنفاق السيئة. المفوضية الأوروبية، من جانبها، لديها ميزانية تبلغ حوالي واحد بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في أوروبا وليست مستعدة أبدا لدعم التحفيز من النوع القاري من هذا النوع. لدى الاتحاد الأوروبي أصلا بنك الاستثمار الأوروبي، الذي من المتوقع أن يقرض 71 مليار يورو (76.99 مليار دولار) في عام 2016 لمختلف المشاريع المدعومة من الاتحاد الأوروبي. إن تعزيز دور بنك الاستثمار الأوروبي للتركيز على إنتاج النمو، واستثمارات تحفيز الطلب قد يساعد - شريطة إتاحة نطاق التمويل.
كما يساعد تقرير المصرف الفيدرالي في سانت لويس في إثباته، تستدعي اقتصاديات هذه الفترة النوع الصحيح من إجراءات المالية العامة بدلا من التحفيز النقدي. رغم أفضل النوايا لدراجي، من يحتاج للرد على الاستدعاء هي الحكومات، وليس البنك المركزي الأوروبي.