كلما زاد احترام الشعوب لقوانينها التي وضعتها دولهم بناء على الأساسيات العامة المنظمة للعلاقة بين المواطن والدولة وبين المواطنين أنفسهم وما ينطوي عليها من واجبات وحقوق، عرفنا مدى تغلغل روحية القانون في نفوس المواطنين الذين يلتزمون به من باب أخلاقي وليس من باب الخوف من العقوبة والجزاء الذين قد يكون أكثرهم لا يعرف النص القانوني بالتفصيل أو قد لا يظن أن التزامه هذا صادر من قاعدة ملزمة وجبرية من الأساس.
روحية القانون هي الهدف الأساس والنهائي من وضع وسن القواعد القانونية وبنودها التفصيلية، ومن ثم وضع الجزاءات والعقوبات في حال تجاوز القواعد القانونية ومخالفتها.
الروحية تعني أن يتمتع المواطن بإحساس ذاتي تلزمه به أخلاقه باحترام القانون حتى في حال انعدام الرقابة، فهو يتصرف وفق القانون في جميع الأحوال ولا يخالفه وبهذا تبنى المجتمعات المتحضرة والمتقدمة، وهذا يعني أنه لا تستطيع أي دولة من الدول الاستغناء عن وضع القوانين والعقوبات فلا يمكنها الركون إلى حسن الظن بالمواطنين وترك الباب مفتوحا على مصراعيه إلى الاستحسانات الشخصية والاعتماد على الرادع الأخلاقي الذاتي للأفراد.
نشأ القانون منذ بدء تكون المجتمعات البشرية وصارت هناك قواعد قانونية ملزمة لجميع أفراد التجمع البشري، وشيئاً فشيئا ومع تطور المجتمعات صارت القوانين أكثر تفصيلاً وتخصصاً وهذا انعكس على النظام القضائي الذي بدوره أصبح متخصصاً ومفصلاً حسب نوع القضايا التي يعالجها وتبع هذا أيضاً تطورات وتفصيلات كثيرة جداً فيما يخص جانب الدفاع والادعاء العام و غيرها.
القانون كعلم اجتماعي إنساني علم مرن وقابل للتفسيرات المتعددة وكثيراً ما يحصل له خرق من قبل المتلاعبين والمحتالين الذين يحاولون التنصل منه وهو ما يعرف اصطلاحاً في عصرنا هذا بالثغرات القانونية التي ينفذ من خلالها البعض لتحقيق أهدافهم ومآربهم، وهذا يعتمد في جزء منه على مصادر التشريعات نفسها التي تستمد منها الدول القوانين الخاصة بها، فكلما كانت التشريعات وضعية بشرية زادت مرونتها وزادت الثغرات، والعكس في تلك القوانين التي تكون مصادرها مستقاة من نص مقدس كالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تكون مرونتها مرتبطة بالاجتهادات الفقهية والتفسير فقط.
نحن في المملكة العربية السعودية كدولة إسلامية تطبق شرع الله وفقاً لمصادر التشريع الإسلامي الأساسية وتواكب تطورات العصر حالنا حال باقي الدول التي تطمح إلى إشاعة روحية القانون لتحقيق الأمن، لذا فإن نظامنا القانوني يخضع للتعديل والمراجعة بين فترة وأخرى فيما يخص المستجدات الطارئة التي تمس أمن المجتمع، وكما يعرف الجميع أنه في السنوات الأخيرة تعرضنا كدولة إلى هجمات الإرهاب التي طالت شرائح متعددة ومتنوعة من المجتمع ولم تفرق بين مذهب وآخر أو دين وآخر ولا بين كبير وصغير أو مواطن ومقيم، ومنشأ تلك الهجمات الإرهابية في مجملها عبارة عن أفكار تعتقد أن الإرهاب هو جهاد في سبيل الله، وتستند إلى تفسيرات متطرفة للنصوص الشرعية وتطوعها وفق أهوائها، وطالما أن الفعل الإرهابي يستند إلى الأفكار فلابد من محاربة ذلك الفكر الداعي إلى الإرهاب أولاً ومن صور تلك المحاربة سن القوانين التي تجرم التحريض والغلو والتكفير خصوصاً أن الفضاء الإعلامي مفتوح على مصراعيه ويصعب التحكم فيه، قد يكون القانون مؤلماً وقاسياً في بداية تطبيقه لدى البعض، لكنه سيحفظ للمجتمع سلمه وتناغمه وشيئاً فشيئا سيتحول إلى روحية يتلبسها الجميع دون أن يشعروا بها ودون أن يخافوا من العقوبة.