المعارضات الشعرية أحد الفنون الأدبية، ونوع من المباريات الشعرية، ارتبط ظهورها بالعصر الأندلسي رغبة في الشهرة وربما إحياء لتراث الشعراء السابقين. وهي تعني المقابلة، أي مقابلة الشيء بالشيء، وفي الشعر تعني إعجاب شاعر ما بقصيدة أحد المشهورين فيصوغ قصيدة على نفس وزنها وقافيتها وربما في نفس موضوعها مع انحراف يسير يحقق به خصوصيته ويبرز تفرده، وهي بذلك تبرأ من تهمة التقليد. والمعارضة لا تعني المعاصرة بالضرورة، فقد يعارض شاعر معاصر شاعرا جاهليا. كما أنها لم تقتصر على معارضات المحدثين، ولم تقتصر على الشعر بل تعدته إلى النثر فشملت الرسائل والمقامات.
ومن أشهر المعارضات قديما: معارضة الأخطل للامية كعب بن زهير الشهيرة بـ«بانت سعاد»، ومعارضة الكُميت الأسدي لمعلقة عمرو بن كلثوم، ومعارضة البوصيري لميمية ابن الفارض. وأشهرها حديثا: معارضة أحمد شوقي لهمزية البوصيري الشهيرة بالبُردة، وبائية ابن حمديس الصقلي، ونونية ابن زيدون ونونية أبي البقاء الرُّندي، وسينية البحتري، وهائية الحصري القيرواني، ومعارضة محمود سامي البارودي لبائية الكُميت الأسدي، وميمية البوصيري.
إلى جانب المعارضات الجادة هناك المعارضات الهزلية التي تتوسل بالإضحاك أو بالإسقاط على الأوضاع السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية المؤسفة، والتي قد تكون بالفصحى أو بالفصحى المختلطة أو باللغة الدارجة، ومنها، مثالا لا حصرا: معارضة الشاعر مصطفى رجب لرائية أبي فراس الحمداني (أراك خليّ الدمع):
أراكَ خَلِيَّ الجَيْــب شِيـمـَتُـكَ الفـَـقْـرُ أمَـا للغِنى سَعْيٌ لديْـكَ ولا ذِكْـرُ
بـلى أنـا مَـبـْسُـوطٌ وعِـنْـــدِيَ فـكـَّــة ولكـنَّ دَخْلـِي لا يُـعاشُ بهِ شـَهْـرُ ومعارضة الشاعر حفني ناصف لقصيدة عنترة بن شداد (ولقد ذكرتُك والرماح):
ولقد ذكرتُك والحمارُ مُعانِدِي فوق الشريطِ وقد أتى الوابُورُ
فرأيتُ شخصَكِ في الخيالِ يُشيرُ لي فسَعَيتُ نحوَكِ وانْجَلَى المَحْذُورُ
وعارضه شاعر آخر بقوله:
ولقد ذكرتُكِ حينَ كنتُ فريسةً بالماءِ بينَ نواجِذِ التمساحِ
والناسُ ملء الضفتين سمعتُهمْ يتفجَّعون بزفرَةٍ ونُوَاحِ
وأنا على وشكِ المماتِ تهزُّني مِنْ طيبِ ذكْرِكِ نشوةُ الأفراحِ
وعارضه ثالث بقوله:
ولقد ذكرتُك والحريقُ بمنزلي وصراخ من حولي يرجُّ المنزلا
فوقفتُ أشكو نارَ حبك باكيــًا وأراك من شوقي إليك تخيلا
ومعارضة الشاعر سيد حجاب لبائية أحمد شوقي الشهيرة (سلوا قلبي):
سَلُوا قلبي وقـولوا لي جوابا لمـاذا حالنُا أضحت يبابا
وشاعَ الجـهْلُ حتَّى إنَّ بَعْـضًا من العُـلَـمـاءِ لمْ يَفْـتَحْ كِـتـابـا
قفَلْنا البابَ أحْـبـَطْنا الشَّبـابـا فـأدْمَـنَ أو تـَطــرَّف أو تـَغــابى
أرى أحـلامَـنـا طـارتْ سَـرابـًا أرى جَـنـَّاتـِـنـا أضْـحَـتْ خَــرابـا
زمـانٌ يـَطْـحَـنُ النَّاَس الغَلابـا ويـَحْـيـا الـلِّـصُّ مُحْترَمًا مـُهـابـا
ومعارضة الدكتور غازي القصيبي للامية أحمد شوقي الشهيرة (قم للمعلم):
قم للمدير ووفّه التبجيلا كاد المديرُ بأن يكون الغولا
أرأيت أفظعَ أو أشدَّ من الذي "لطع" المراجعَ حين جاء طويلا
عجبا له لا تنتهي كذباتُه كم يُحسنُ التبريرَ والتأويلا
وإذا أتاهُ من المعارف زائرٌ أبدى له الترحيبَ والتأهيلا
في لمحتين إلى الوزير يزفُّه ويدقُّ من فرح اللقاء طبولا
وإذا أتاهُ موظفٌ من ربعه فلقد تسهّلَ أمرُهُ تسهيلا
و«الآخرون» إذا أتتْ طلباتُهم نامت على الرفِّ المكدَّس جيلا
وإذا أتته معاملاتٌ صفَّها في خانتين بدُرجه مشغولا
فإذا رأى صفوَ الوزير معكّرا عرض التي يرجو لها التعطيلا
وإذا رأى أن المزاجَ مهيَّأٌ عرض التي يبغي لها التعجيلا
ويقول قد قال الوزيرُ لكم كذا واللهُ ربي عالمٌ ما قيلا
قم للمدير ووفّه التبجيلا فلقد غدا هذا المديرُ وكيلا !
ومن المعارضات الهزلية بين شاعرين هزليين، يقول الشاعر ياسر قطامش:
كيف ارتضيت بحبها.. ولماذا؟
ما عدتُ أدرى سرَّ ضغطي هذا؟
ويرد عليه الشاعر شوقي أبوناجي:
بهدلتَ نفسك يا بنيّ لماذا؟!
وغدوتَ حيرانا ترومُ ملاذا
هل غرَّرتْ بك طفلةٌ لُعبيةٌ
حتى انكفأْتَ ولم تجدْ إنقاذا؟