غاب عنها سنوات طوالا، وعاد إليها مرةً أخرى، وفي أثناء غيابه عرفت طريقها إلى التغيير والتعبير، ومن لا يعرفها لا يعرف معنى «تحقيق الحلم»، وأيضاً لا يعرف معنى اختزال الزمن ولا يعرف الإبداع! رآها وهي التي كانت على بُعد رميةِ حجر طوال هذه المدة، يقول انه عشقها شاباً، ورآها الآن عروساً فوق كل العرائس، ومع قرب المسافات المكانية إلا أنَّ المسافات الزمنية كانت هي الأقوى في التفريق بينهما!
عرفها منذُ عام 1987م وتغرَّب عنها، ثم عاد إليها في 2016م ومن شدة شوقه قال: وجدتُ السنين لا تُحسب في تاريخ البشرية، القرون هي التي تُحسب! وصار يحكي لنا عن رحلته التفصيلية فيقول: وصلتُ مطار الدمام نافراً بنفسي نحوها، وقد جهَّزتُ حقائب عقلي، بقيتُ أترقبُ وصولي إليها وفي كل خفقة قلب كنتُ أتطلَّعُ بشوقٍ للقياها، وهذا ما زادني شوقاً إلى شوقي، فرأيتُ فيها رسم فُرشاةٍ على لوحةٍ فنيةٍ، رأيتُ «الحسناء» فاستقبلتني بابتسامةٍ وبشموخ المنتصر، وصاح في داخلي مارد: انظر،، يا لروعة ما ترى! كانت تحدثني «العربية» ومعها كانت تُجيد كل لغات العالم، تُرى هل كنتُ أحلم؟ وهل كنتُ في كامل الوعي، نعم كنتُ كذلك.
هذه «دبي» في عيون الكاتب السعودي بجريدة اليوم د. محمد حامد الغامدي الأكاديمي بجامعة الملك فيصل، قرابة الثلاثين عاماً هو العمر الزمني بين أول زيارةٍ له لمدينة دبي (الصحراء) والثانية بعد أن ارتفع على أرضها أعلى برج في العالم، في مقاله «رؤيتي في دبي- الوصول» تكلَّم كثيراً عن هذه المدينة التي أبهرته بتقدمها العمراني الهائل وبشموخها فوق مدنٍ كثيرة خليجية وعربية بل وعالمية! ولشدة انبهاره أعقبها بمقالته الثانية: «رؤيتي في دبي- الانطباع» التي قال فيها الكثير الكثير، أنتقي بعضاً منها:
-) في ليلة الوصول لدبي خرجتُ مع الأحفاد للعشاء مشياً أتحدث للحظات همسات المساء البارد المقبول، حدثتني لحظات أنوار الليل بسلامٍ وترحاب، لم أسمع في شارع المساء أبواق السيارات، لم أسمع للناس إزعاجاً على كثرتهم، همسات وسكون المساء وسط الجموع متعة لسطوة فن وتنظيم.
- وجدتُ (دبي) مدرسةً لفلسفة مكارم الأخلاق قولاً وتطبيقاً وأنا الذي قد تربيتُ على قيم «الحلال والحرام» حتى الارتواء، سبحتُ في عالم ومؤشرات مكارم الأخلاق سبحاً.
- أصبحت (دبي) عند كل شعوب العالم محل فخرٍ ومقصدا، يسعون لتسجيل زيارة إلهام في لحظةٍ حياةٍ عابرة، الفرصة قد لا تعود، لكنه الرجاء لترويض الظروف بزيارةٍ أخرى.
- دبي أصبحت نقشاً في ذاكرة أمثالي يتطلعون أن يجدوا أنفسهم في فنجان قهوة يتكئ على ناصية شارع يوفر الهدوء في أعماق الرغبة تحت ظل أي شيء عبقري.
- هي واحة مكارم الأخلاق تُشعرك بأهميتك وقيمتك وعزتك وكرامتك، مدينةٌ لا تتدخل في حياتك الخاصة، ولا تسمح لك بأن تقتحم حياتها الخاصة أيضاً، كل فرد في (دبي) عالم وحده، يعيش اللحظة بطريقته، وكما يشاء وليس كما يشاء الآخرون، كل فرد ضيف لدى الآخر ومن هنا تنساب الحياة في هدوء بشكلها الأفقي والعمودي!
- مدينة (دبي) المكان الوحيد في العالم العربي الذي يعيش للمستقبل، رؤيته للمستقبل، استراتيجيته وخططه وبرامجه للمستقبل، الآخرون من العرب يعيشون حاضرهم فقط، حاضرهم ترميم مشاكل وتحديات وإخفاق الماضي ولا مكان للمستقبل وسط تراكم فوضى وتقصير الماضي وهكذا يستمر حاضرهم لا يتغير!
- دبي تتجدد، والمستقبل دائماً حاضر أمام واضعي الخطط وراسميها، هي عاصمة الجودة وواحتها، جودةٌ في كل شيء يقع عليه نظرك، البعض يعجز لأنه أمي في مدينة المستقبل!
ومن قلم الكاتب السعودي يُطالعنا قلمٌ آخر من الأردن الشقيق الكاتب إبراهيم جابر من جريدة الغد، جاء عنوان مقاله (وزيرة السعادة وحليب النوق) وبدأ بكلماته الآتية: (ليس المؤسف فقط أن تكون غير منتج أو غير مبدع، لكن المؤسف والمثير للشفقة أن تسخر من المبدع المنتج، مثل أن يتساءل البعض حول تعيين وزير للسعادة فقالوا: هل ستقوم الوزارة بتوزيع نكات جديدة على الناس كل شهر؟! ذلك لأن ثقافة بعض المجتمعات لم تعش سابقاً «ثقافة السعادة» بأن تسهر الدولة لينام مواطنها سعيداً هانئاً وقد تحققت أحلامه، ويقول: لا أعلم لماذا الانطباعات عن دول الخليج بأنها دول متخلفة وكسولة لمجرد أنها ثرية، الإماراتيون لا يخجلون من تاريخهم ولا من حليب النوق، هم ينشرون صور الإبل والخيول والصقور في شوارعهم، وأنا شخصياً وخلال سنوات في (دبي) لم أرَ ناقةً واحدة، لكنني رأيتُ شوارع عريضة بمسارات تتسع لـ 15 سيارة! الإماراتيون يعرفون أنهم سيركبون في عام 2021م مركبة فضائية إلى المريخ!