مصابون يمرحون بـ "عكازاتهم"، أسر هاربة من جحيم بيوت الصفيح، أطفال يحلمون باحتراف كرة القدم، رسام يبحث عن شيء جميل، حائك ملابس امتهن بيع البالونات، وشاطئ غزة.
هكذا يبدو ملاذ الغزيين الأخير، يلجؤون إليه هربا من حصار خانق، وسجن يحوي 1.9 مليون فلسطيني بمساحة 360 كلم، أغلقت أمامهم كل الحدود برا وبحرا وجوا، ولكن ما لم يفلح أحد في إغلاقه هو مدى السماء، وأفق البحر.
الصديقان
"كانوا يظنونني ميتا" يقول عدلي عبيد وهو يخطو على قدم واحدة، "كنت أحاول أن أنقذ أطفالا استهدفتهم طائرة إسرائيلية في حي الشجاعية لتأتي طائرة أخرى وتقصفنا جميعا"، تمزق جسده ونقلوه إلى ثلاجة الموتى، وعندما جاء والده ليلقي نظرة عليه اكتشف أنه حي.
تراه يقف مع صديقه، أحدهما فقد ساقه اليمنى، والآخر فقد اليسرى، كانا صديقين قبل الإصابة، وأصبحا أخوين بعدها، كأن آلة الحرب الإسرائيلية قررت أن تأخذ من أحدهما وتترك للآخر.
خلال علاجه بقي صديقه منصور القرم يرافقه في المستشفى، واحتفل بخروجه من المستشفى، ولكن بعد عدة أشهر دخل منصور للعلاج بعد أن فقد ساقه أيضا، "لم أعرف ما الذي حدث"، يقول القرم، كان عائدا إلى منزله قرب حدود غزة، فضربه صاروخ اسرائيلي، ويتابع "استفقت لأجد أني فقدت ساقا وإصبعين".
صفيح الموت
"نعيش في قفص دجاج"، تقول فاطمة المصري بغضب، وحولها أطفالها، "نأتي هنا هربا من الموت حرقا في منزل الصفيح"، بيتهم هدم خلال عملية إسرائيل العسكرية ضد القطاع في يوليو الماضي، مر ما يزيد عن العام ولا أمل لإعادة إعماره كما تقول، "يبدو أني وأطفالي سنعيش معاناة الصيف الماضي داخل صفيح الموت هذا"، تؤكد أنها ناشدت الجميع، وتقول إنها لو كانت تمتلك المال لما انتظرت أحدا "الحياة صعبة جداً" تضيف فاطمة "زوجي عاطل ويتمكن بالكاد من توفير قوت أطفالنا".
ويؤكد زوجها إبراهيم أن كل الأوراق المطلوبة لإعادة بناء المنزل جاهزة، لكن منع إسرائيل من إدخال مواد البناء للقطاع يقف عائقا كبيرا، ويقول إبراهيم بعد أن ترك صنارة السمك "خلافاتهم السياسية حول ملف الإعمار لا تهمني، أريد فقط أن أبني بيتي ثانية".
المحترف والرسام
"أشعر أنني حر هنا، أشعر أني انتصرت" يقول الشاب وسام أبو حصيرة بحماس، إسرائيل دمرت ملاعب كرة القدم لذا يحضر وسام أصدقاءه إلى الشاطئ ليلعب معهم لعبته المفضلة، ويؤكد بيقين لا شك فيه "سأصبح محترفا"، مشكلته الوحيدة أنه لا يستطيع مغادرة القطاع ليرى العالم مهاراته، ولكنه يحب اللعب على الشاطئ، "هنا بالقرب من الأمواج لا قيود مفروضة علي"، ويتفق معه الرسام الشاب يحيي تمراز الذي أوشك على الانتهاء من رسم لوحته الفنية الأخيرة لمعرضه الذي ينوي افتتاحه قريباً بغزة، ويقول "هدوء أمواج البحر تساعدني في التعبير عما أريد رسمه" يقول إن الشاطئ يساعده على الهرب من ضجيج المدينة، يشير بفخر إلى أن مشروع تخرجه من جامعة الأقصى وهو اللوحات التي يرسمها وأنجزها كلها على شاطئ غزة"، يقول إنه يرسمها في مخيلته أولا ثم يأتي إلى الشاطئ و "عند الغروب تنتهي اللوحة".
بائع الفرح
آخر ما تراه على شاطئ غزة، وأول ما تراه أيضا، هو حسن الريس، يقف حاملا عشرات البالونات، يشتري منه الأطفال ويغادرون ضاحكين، وآخرون يغادرون غاضبين بعد رفض ذويهم شراء بالونات لهم، "أنا حائك كنت أعمل في خياطة الملابس" يقول حسن، وهو يبعد البالونات عن وجهه، "فقدت عملي فصاحب المصنع اضطر لإغلاقه مع تشديد الحصار الإسرائيلي"، يقول انه بحث كثيرا عن عمل ولم يجد شيئا، فقرر بيع البالونات على شاطئ غزة، ويضيف كأنه يواسي نفسه "أنا سعيد، فأنا أبيع الفرح للأطفال".
حسن الريس يحمل بالوناته منتظرا زبائنه من الأطفال