لا أدري ما الذي رمى إليه أبو حيان التوحيدي عندما أورد تلك النماذج التي أشرت إلى بعضها، بين مؤيد للصداقة مقدر لها، ومن لا يحب الصداقات وإقامة علاقات من باب أولى، أو أنه أراد أن يعطي تصوراً للعلاقات الاجتماعية وموضوع الصداقة بين مجتمع وآخر وبين جيل وجيل.
والواقع، أن الصداقة موضوع إنساني، له جذور عميقة في نفوس الشعوب، عقدت من أجلها الندوات وقامت حولها الدراسات، وإبراز الصداقة كمطلب إنساني. فالصداقة هي التغاني في الآخر، تصديقه فيما يقول وصدقه فيما يرى ويسمع وتصوير كل شيء بما هو واقع دون زيادة أو نقصان، وكان من خير أمثلة الصداقة علاقة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- والصديق أبي بكر -رضي الله عنه- الذي كان المشركون يحدثونه بما كانوا يسمعون من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو يرد عليهم إن كان قال ذلك فقد صدق، وليس بعد هذا المثال الحي الذي احتفى به التاريخ وخلدته سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مثال يمكن الركون إليه واتخاذه نبراساً من السيرة النبوية. لقد قال العرب الكثير عن الصداقة والصديق شعراً ونثراً ومن ذلك قول القاضي أبي حامد مستشهداً بشعر مروان ابن أبي حفصة:
موفق لسبيل الرشد متبـع
يزينه كل ما يؤتى ويجتنب
تسمو العيون إليه كلما انفرجت
للناس عن وجهه الأبواب والحجب
له خلائق بيض لا يغيرها
صرف الزمان كما لا يصدأ الذهـــب
قيل للشبلي: من الرفيق
فقال: من أنت غاية شغله وأؤكد فرضه ونفله.. وعن الشفيق قال:
من إذا دهمتك محنة غذيت عينه لك وإن شملتك منحة قرت عينه بك. أما الصديق الوفي فهو من يحكي بلفظه كمالك ويرعى بلحظة جمالك.
أما أنا فما أن وصل إلى الاخوان والأصدقاء والمحبين خبر لزومي السرير الأبيض لعارض صحي ألم بي نجاني الله منه بفضله ومنته ورحمته لأواجه بعشرات الألوف من الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية. وقد اخترق بعض الزملاء الحصار الذي أحاطني به الأبناء والاخوان للوصول إلي والتعبير عن محبتهم وصدق مشاعرهم الكثير من الاخوان ممن احفظ اسماءهم وممن لم تحفظ الذاكرة أسماءهم إلى جانب الاتصالات المتكررة من بعض الزملاء بهيئة الصحفيين والنادي الأدبي وجهات كثيرة. إنني متأكد من أن هؤلاء الأخوة، إنما يرجون ما عند الله من الأجر والثواب، وقد استجاب الله لدعائهم فخرجت من المحنة وانا أتمتع بمعنوية قوية اكتسبتها من لطف الله ثم من مؤازرة أولئك الاخوان الذين عبروا لي عن محبتهم وتقديرهم وتقديري لهم في المقابل فلا أخرس الله هذه الأصوات.. أصوات المحبة فلهم جزيل الشكر.. وشكراً لأبي حيان التوحيدي الذي قدم لي المثل والقدوة.