شكل قرار روسيا بانسحاب القسم الأكبر من قواتها العسكرية المنتشرة في سوريا منذ 30 سبتمبر من العام الماضي صدمة لمتابعي الأحداث في سوريا منذ خمس سنوات، حيث رسم هذا الإنسحاب العديد من علامات الاستفهام حول أسبابه وأهدافه ونتائجه، فهل الغاية الأساسية منه هو تحفيز المفاوضات الجارية بين الأطراف السورية في جنيف، كما يرى عدد من الخبراء أم انها محاولة من موسكو لرمي الكرة في ملعب واشنطن، التي تتهم موسكور دائماً بعدم تقديم أي دفعة لعملية التفاوض السلمية. إلا ان الخبير في العلاقات الدولية والمحلل السياسي سامي نادر يعتبر ان "الانسحاب طوى صفحة التدخل العسكري وفتح صفحة التسوية الديبلوماسية"، مفنداً ثلاثة أهداف حققتها موسكو في سوريا في مرمى النفوذ الدولي.
وأوضح نادر في تصريح لـ"اليوم" أن "روسيا منذ البداية لا تستطيع أن تدخل في حرب طويلة الأمد، وأن تدخل في حرب ضمن منطقة جغرافية بعيدة عنها وليس لديها حدود معها، خصوصاً انه سبق وكان لديها تجربة مريرة جداً في أفغانستان وتجربة سيئة على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحديداً"، قائلاً: "اذاً منذ البداية لم يكن لدى الرئيس بوتين النية في أن يدخل في حرب مستدامة وطويلة الأمد، أضف إلى ذلك أن ما تعانيه روسيا من عقوبات اقتصادية وتدهور في أسعار النفط يزيد من فرضية رفضه لأي حرب طويلة الأمد وحرب استنزاف"، مشدداً على انه "منذ البداية كان التدخل الروسي في سوريا تدخلاً قصير الأمد كما سبق وأشار إليه الرئيس بوتين عند تدخله، على أنها حرب قصيرة وأن هذا التدخل لفترة زمنية قصيرة".
وقال: "بالاستناداً الى النتائج مما لا شك فيه أن روسيا قد حققت أهدافاً عديدة من خلال هذا التدخل: أولاً: استطاعت أن تنقذ نظام على وشك الانهيار، كما انها استطاعت أن تؤمن قواعد إستراتيجية لها في منطقة مهمة جداً إن كان من حيث جيواقتصادياً أو جيوسياسياً. ثانياً: أثببت انها لاعب دولي في مصاف الكبار مثلها مثل الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، فلقد لاقى دخول القوات الروسية إلى سوريا انتقادا كبيرا من الرئيس الاميركي باراك اوباما، الذي قال "إن الروس لا يدركون ماذا يفعلون وهذه المعركة سوف تستنفزهم، وانهم قاموا بذلك انطلاقاً من ضعف وليس قوة"، فلقد أثبتت روسيا اليوم انه بإمكانها أن توظف قدراتها العسكرية ديبلوماسياً وتحقق من خلالها إنجازاً ديبلوماسياً. ثالثاً: تمكنت روسيا من فك عزلتها على الساحة الدولية بعد الأزمة الأوكرانية وأكدت أنها محور أساسي يعوّل عليه من قبل الأوروبيين وخط الاتصال مفتوح بين الرئيس الروسي وبين الرئيس الأميركي، الأمر الذي لم يكن وارداً قبل التدخل وإبّان الأزمة الأوكرانية".
وعلق نادر على كلام المستشارة السياسية والإعلامية لبشار الأسد بثينة شعبان عن أن القوات الروسية قد تعود إلى سوريا بعد انسحاب الجزء الأكبر منها من البلاد، بالقول: "قد تعود القوات الروسية الى سوريا خدمة لمصالحها ولكن بأي حال من الأحوال لن تكون في ظل وجود "مستدام"، فهي تستطيع أن تتدخل وتدخلت وجربت بعض الأسلحة لاسيما صواريخ بحر أرض التي تسمى الصواريخ "الباليستية"، ولكن اليوم اعتقد ان كلام شعبان يأتي من باب القلق ومن باب طمأنة الحلفاء وقواعدها الشعبية أو ما تبقي منها، خصوصاً إزاء الكلام الذي صدر بالأمس على لسان الكرملين عن ان هناك توقيتا لهذا الموضوع، أي ان هناك هدفا لتوظيف هذا الانسحاب لدفع المفاوضات السلمية التي كانت روسيا من أهم محركيّها، ولولا هذا التدخل لما حصل "جنيف 3"، بالإضافة الى ان لروسيا أيضاً رؤيتها فيما خص الحل في سوريا وهي تنادي بشكل شبه علني بنظام فيدرالي، واليوم هذا الانسحاب رسم حدود "سوريا المفيدة" والأهم من ذلك كله ان هذا الانسحاب طوى صفحة التدخل العسكري وفتح صفحة التسوية الديبلوماسية".
واضاف: "من هنا ارادت روسيا من خلال هذا العمل ان تقول إنه باستطاعتي أن أكون على مسافة واحدة من جميع الأطراف، أي أنها حيّدت بشكل غير مباشر جهود السعودية بتوطيد المعارضة السورية وفي التصريح الذي صدر عن الكرملين بالامس وضع طرفي النزاع على مستوى واحد، حينما قال: نتمنى اليوم ان تطلق العملية السلمية بمشاركة جميع الأطراف، وهذا أيضاً ما إذا أضفنا إلى ذلك نقطة خلاف برزت في الفترة الاخيرة ما بين النظام والكرملين وهي تتعلق بمصير الرئيس بشار الاسد حينما دعا دي مستورا الى انتخابات رئاسية بعد 15 شهرا، حيث انه ما كان ليقوم بهذه الدعوة بعد عام ونصف اذا لم يكن هناك توافق روسي أميركي عرابيّ المفاوضات حول هذه النقطة".
ورأى أنه "كان ملفتاً الرفض القاطع الذي لاقاه هذا الطرح من جانب وزير الخارجية وليد المعلم ومن ثم جاء التصريح الايراني الرافض لأي انتخابات رئاسية ولأي تغيير في النظام، إذاً أتى قرار تقليص القوى العسكرية على الارض السورية بمثابة رسالة الى الحلفاء او الى النظام السوري تحديداً؛ كونه يشكل عامل ضغط عليه"، مذكراً بأنه "لولا التدرخل الروسي لكان النظام على وشك الانهيار بالإضافة الى ان قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني سبق وزار روسيا طالباً التدخل الروسي مباشرة لمنع الانهيار الذي كان حاصلاً".