أطلق مختصون نفسيون واجتماعيون تحذيرات عاجلة من تجمعات العمالة وسط الأحياء السكانية، وما تتركه تلك العشوائيات السكنية من مخالفات وممارسات دخيلة وجرائم متعددة، مشيرين إلى أنها قنبلة موقوته ممكن أن تنفجر في أي لحظة بسبب سوء التنظيم للعمالة في الكثير من قطاعات الأعمال الخاصة التي تهمل عمالتها في متابعتهم والاهتمام بهم خارج أوقات العمل.
وشددوا خلال ندوة «اليوم» ضمن الملف الشهري الخامس عشر «سكن العمالة.. قنبلة موقوتة!» على أهمية تحديد رؤية مستقبلية بألا توجد عمالة في المملكة دون عمل، لافتين إلى أن ثقافة المجتمع السعودية تسببت في عزلة هذه العمالة وعدم اندماجهم في المجتمع.
ونبهوا إلى أن قطاع العمل في المملكة بحاجة إلى تنظيم السكن وتوزيع النسب السكانية في الأحياء لتفادي الكثير من المشكلات، لافتين إلى أن التجمعات العمالية في الأحياء ينتج عنها تأثير في الأنماط الاجتماعية للساكنين مثل ظهور بعض العادات والتقاليد أو السلوكيات السيئة خاصة اذا كان هؤلاء الأفراد من خارج المجتمع السعودي وخصوصاً على صغار السن.
وأكدوا أن سكن العمالة داخل الأحياء يفتقد إلى الكثير من الجوانب الصحية والاجتماعية والنفسية والتي ينتج عنها الكثير من الأمراض والممارسات الإجرامية، مطالبين أرباب العمل في القطاع الخاص بتوفير المجمعات السكنية لعمالتهم ومتابعتهم ودعوة الجهات الإرشادية بعمل دورات تثقيفية في جوانب عدة منها أمنية وإرشادية وتوعوية.
وأشاروا إلى أن تنظيم سكن العمال داخل الأحياء سيكون له الأثر الكبير في اختفاء الكثير من المشاكل والسلبيات الظاهرة، وتوفير احتياجات العمالة واندماجهم في المجتمع ليكونوا أشخاصا فاعلين في المجتمع، محملين العديد من القطاعات الحكومية ما وصلت إليه تجمعات العمالة.
إلى ذلك، قال الدكتور مسفر محمد المليص المستشار النفسي والأسري: «تزايدت في الآونة الأخيرة ظاهرة انتشار سكن العمالة وسط الأحياء السكنية مما يسبب الكثير من المخاوف الأمنية والاجتماعية والنفسية في ظل عشوائية تنظيم تلك الأحياء وخطورة تجمهر تلك العمالة وسط الأحياء ومن الناس من ينظر للعزاب بأنهم موضع ريبة وشك وتظل كلمة «عازب» تحمل في نظر العديد من المجتمعات دلالات كبيرة ومعاني عظيمة، فالأعزب هو ذلك الشخص غير المتزوج الذي يسكن بعيداً عن أسرته وكذلك تطلق على الرجل المتزوج الذي يسكن بدون عائلته، ويظل هذا الشاب من الناحية النفسية مرفوضاً في أي مكان يحاول الاندماج فيه أو يذهب إليه لا لسبب إلا لأنه حمل مسمى «أعزب» حتى لو كان ذا خلق ودين وملتزماً بالآداب والتقاليد.
وأضاف: الحالة التي يمر بها العزاب لا بد وأن مرَّ بها الكثير من الشباب في فترة من فترات حياته عندما سافر للدراسة في مكان بعيد عن مسكنه أو التحق بعمل بعيد عن أسرته، حيث تجبره الظروف على السكن مع مجموعة من الشباب للتخفيف من الأعباء المالية التي سيتكبدها لو كان وحده، وللعديد من العزاب الذين ابتلوا بهذا المسمى من عدم تقبل المجتمع لهم فهم أينما ذهبوا مرفوضون حتى إن البعض منهم يراهم شراً لا بد من إبعاده.
وأردف: يذكر لي بعض من هؤلاء أنهم تكبدوا العناء وتذوقوا المر حتى وجدوا مسكناً لهم، فهم أينما توجهوا لمكتب عقار أو صاحب أملاك حتى يسبقهم بالسؤال هل يبحثون عن سكن عائلي أم عزاب وعندما يسمع منهم الكلمة الثانية فكأنما تصفعه على وجهه يبادرهم فوراً بالأسف الشديد لعدم تمكنه من خدمتهم ولذلك يضطرون بعد جهد جهيد إلى الرضوخ للأمر الواقع وتقبل أي سكن حتى ولو كان مما لا تتوفر فيه الشروط الصحية التي تجعل منه سكناً ملائماً لهم، ولو افترضنا أنهم وجدوا مسكناً في حي مليء بالعائلات فإن الأعين تظل تتربص بهم الدوائر حتى تصبح أنفاسهم محسوبة عليهم بحثاً منهم عن أدنى غلطة للشكوى عليهم لدى الجهات الأمنية وطردهم من هذا المكان وذلك خوفاً على أسرهم منهم، بحجة أنهم يراقبون الشارع من النوافذ ويقفون في الطريق للتحدث مع زملائهم ويزعجونهم بأصوات سهراتهم المتأخرة إلى الفجر ومن كثرة زوارهم خلال اليوم.
وزاد: قد يبالغ العديد من المكاتب في الإيجار إلى العزاب بحكم أنهم أفراد كثيرون ولا يهمهم أي مبلغ يوزع عليهم، كما أن هذا المبلغ يصرف على الشقة بعد خروجهم لكثرة ما تصاب به من تلفيات.
وأضاف المليص: إن لهذه العمالة الوافدة تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على المجتمع، فالآثار غير المباشرة تكمن في أبعاد هذه المشكلة على المدى البعيد لأن استمرار وجودهم سيكون له معوقات للراغبين الجدد في سوق العمل وكذلك إدخال سلوكيات نفسية واجتماعية على مجتمعنا تتنافى مع القيم والعادات والتقاليد وسيسهم وجودهم في ارتفاع مشاكل الجرائم المختلفة وتفاقمها، أما الآثار المباشرة فكثيرة جداً، ومنها الأضرار الأمنية كثرة السرقات وتكون العصابات والجرائم الأخلاقية من اختطاف أو اغتصاب أو غيرها وبيع الخمور والترويج للمسكرات بأنواعها وكلها تنطوي تحت وجودهم. أما الأضرار الاقتصادية فتتمثل في الغش التجاري، وكذلك ممارسة أعمال مخالفة للنظام، وإعاقة الشباب السعودي عن العمل ومزاحمتهم فيه وتدني المستوى العقاري للحي الذي يقطنونه».
وعن الحلول لهذه المشكلة، أكد المليص أنها تبدأ بالمواطن نفسه ووعيه لهذه الفئة وأضرارها، ثم توعية الجهات المسؤولة عن استقدامهم والحد منهم لأن وجودهم يسبب عائقاً كبيراً لتطور البلد ونموه فربما نجهل أن بلادنا فيها ما يقارب 9 ملايين عامل على الأقل وهذا بلا شك سيقف سداً منيعاً ضد الجهود المبذولة في مجال السعودة فالاستقدام العشوائي يحد من الجهود التي تبذلها وزارة العمل في توفير الوظائف للسعوديين، وعلى الجهات أن تقوم بحلول عاجلة لحل هذه الأزمة قبل أن تتفاقم أكثر وأكثر من ذلك إصدار نظام عقوبات لمن يقوم بإسكان عمالته داخل الأحياء وتكون صارمة جداً حتى نأمن من هذه الظاهرة التي بدأت وما زالت تنتشر داخل المجتمع.
وأشار إلى أن قضية سكن العمالة في الأحياء السكنية أصبحت مشكلة تقلق الساكنين في كثير من الأحياء وتسببت في عديد من المشكلات فإن هذه القصة تحتاج إلى اهتمام الأجهزة المعنية؛ لأن لذلك تأثيرات سلبية عديدة.
ويضيف قائلا: إن التأثيرات السلبية المترتبة على سكن العزاب في الأحياء السكنية تتمثل في الأخذ في الحسبان اعتبارات عديدة ومن ضمن تلك الاعتبارات معدل الازدحام في السكن، حيث يقسم عدد المقيمين في السكن على عدد الغرف فيه والمعدل المعروف هو غرفة واحدة لكل شخص، لكن في مساكن العزاب الوضع يختلف تماما، حيث يمكن أن يجتمع 20 فردا في شقة أو بيت يتكون من خمس أو اربع غرف، وهذا بالطبع يشكل ضررا صحيا على الأفراد انفسهم ويساعد على انتقال العدوى بينهم، إضافة إلى أن ذلك يشكل عبئا كبيرا على الخدمات في الحي من حيث استهلاك المياه والكهرباء الصرف الصحي والتي عادة تكون معدة لاستخدام الأسر لذا يمكن أن تبرز مشكلات عديدة في الحي كطفح المجاري وغير ذلك كما إن كان العقد الموقع بين صاحب العقار أو المكتب العقاري والساكنين العزاب محددا فيه عدد المستأجرين في الشقة مثلا أربعة أشخاص لكن أثناء الليل نجد أن المستأجرين يستقبلون ويسكنون في هذه الشقة عدداً اكبر من ذلك قد يصل إلى عشرة أشخاص مما يسبب ازدحاماً في المواقف ومشكلات مرورية، بل حينما يأتي في الليل ببعض ألاحياء التي توجد فيها سكن العزاب كأنك في منطقة أسواق من كثرة أعداد السيارات، كما قد يحدث أثناء الليل تجمهر من قبل هؤلاء العزاب خارج السكن وتصدر أصوات مرتفعة وهذا كله بالطبع يؤدي إلى مضايقة السكان، وهناك حالات وصلت فيها المشكلات بين العزاب الساكنين في الحي إلى التعدي بالأيدي.
وتابع المليص: إن تجمع مجموعة كبيرة من الأفراد العزاب في منطقة سكنية ينتج عنه تأثير في الأنماط الاجتماعية للساكنين مثل ظهور بعض العادات والتقاليد أو السلوكيات السيئة خاصة اذا كان هؤلاء الأفراد من خارج المجتمع السعودي ويبدو تأثير ذلك على صغار السن اكبر كالتدخين أو السهر لساعة متأخرة من الليل، كما أن وجود العزاب في الأحياء السكنية قد يؤدي إلى انتشار الجريمة، فعادة مثل هؤلاء الأفراد تكون دخولهم الاقتصادية متدنية مما قد يدفعهم إلى السرقة من المساكن القريبة، خاصة انه من خلال إقامتهم في الأحياء السكنية يعرفون تحركات أصحاب المنزل بالدقيقة، فيعرفون مثلا ساعة خروج الزوج والزوجة من المنزل وساعة رجوعهم وكذلك الأبناء ويعرفون المترددين على المنزل، كما أن وجود سكن العزاب في الأحياء السكنية قد يؤدي إلى حدوث تحرش بصغار السن وجرائم أخلاقية».
وقال سليمان الزايدي الاختصاصي والخبير النفسي بمستشفى الأمل: «سكن العمالة له أبعاد كثيرة داخل الأحياء من ضمنها حقوق العمالة في الحصول على سكن مناسب وجعلها تندمج في المجتمع بشكل إيجابي وهي مشكلة كبيرة في العمل بشكل عام، حيث إن العديد من الجاليات يتجمعون في مناطق وأحياء معينة ويمارسون ثقافتهم الخاصة بهم بإيجابياتها وسلبياتها التي تخرج بشكل أو بآخر للمجتمع مما يوثر على هويتنا وثقافتنا كمجتمع محافظ، وعند دراستها بشكل متعمق نرى أن العامل يمارس هذه السلوكيات باعتبارها سلوكيات سليمة في بلده ولكنها لا تتناسب مع ثقافة المجتمع السعودي، وهي مشكلة حقيقية تستوجب الدراسة وحلها مع كافة الجهات الحكومية والخاصة التي لها علاقة بالعمل، كما أن مجتمعنا لترابطه ببعضه البعض يصعب اختراقه من قبل العمالة مما يتسبب في عزلتهم بشكل اكبر بالإضافة إلى ان نظام العمل نفسه لا يتيح للعمالة الاندماج في المجتمع لحجم الأعمال الموكل إليهم طوال الأوقات وحتى في الإجازات، وهذا كله يترتب عليه جوانب مهمة للعامل منها فقدانه للمهارات الاجتماعية وقبول المجتمع والانتماء إليه ورسم صورة سلبية على المجتمع السعودي مما يفقده الانتماء إلى المكان الذي يعمل به».
وأضاف الزايدي: «وجود العمالة في المملكة للحاجة وليس الترف والكثير من المهن بحاجة للعامل الأجنبي في مؤسسات الدولة الحكومية والخاصة، ولكننا بحاجة لتنظيم يضمن للعامل ولصاحب العمل كافة الحقوق النفسية والاجتماعية والحقوقية، ولو تم تنظيم سكن العمال بشكل اكبر لأصبحت للعمالة أدوار إيجابية، ونحن بحاجة إلى عمل كبير، والقطاع الخاص عليه دور كبير كون اكثر العمالة في القطاع الخاص برفع مستوى المعيشة التي ستقضي على الكثير من السلبيات الظاهرة حالياً، والمشكلة مشتركة بين المواطنين والقطاع الخاص والجهات الحكومية، كما أن نظام الكفالة افقدنا الكثير من التنظيم، وأقترح أن تكون الكفالة ليست فردية وأن تكون عن طريق وزارة العمل بالشراكة مع جهات أخرى خاصة لتوفير هذه العمالة التي يحتاجها البلد وبالتالي تختفي سلبيات العمالة».
وتابع الزايدي: «تجمعات العمالة في مناطق أو أحياء معينة لا يمكن إلغاؤها بسبب انتماء هذه الجاليات لبعضها والدول التي تنتمي إليها ولكن تحتاج إلى تنظيم وزيارات توعوية للقطاعات التوعوية في المدن بتوعيتهم بحقوقهم وواجباتهم وإيصال الرسالة بالطرق الصحيحة لهم، إضافة إلى أن مشكلتنا الأساسية تكمن في الثقافة واندماج العمالة مع المجتمع، وعلى رجال الأعمال والقطاعات الحكومية دور كبير بتحديد رؤية وطنية بعدم وجود عمالة في المملكة بدون عمل وتكون محددة بعام محدد للانتهاء من هذه المشكلة التي تؤثر على الاقتصاد والمجتمع».
وقال عبدالله بن علي اليامي الأخصائي الاجتماعي: «الكثير من العمالة يفضلون القدوم للمملكة لتوفر فرص العمل، إضافة إلى الأمن والأمان الذي تتمتع به بلاد الحرمين الشريفين، ووجودهم بهذه الأعداد الهائلة يشكل عبئا اجتماعيا ونفسيا واقتصاديا على كافة شرائح المجتمع السعودي، والعبء الأكبر يقع على القطاع الخاص الذين لا يتابعون عمالتهم خارج أوقات العمل ويفتقدون ابسط وسائل التواصل معهم وتقديم مبادرات تساهم في تطويرهم خارج أوقات العمل، إضافة إلى تأخير رواتبهم مما يجعل الكثير منهم يلجأون إلى هذه الأحياء العشوائية والسكن مع مجموعات للتوفير في سعر إيجار السكن، مما يجعل هذه العمالة غير مستقرة اجتماعياً ونفسياً، وبالتالي ظهور بعض السلوكيات السلبية من سرقات وترويج للمخدرات وإيذاء الآخرين للحصول على المال لسد احتياجاتهم والكسب السريع».
وتابع اليامي: القطاعات الحكومية تعمل بدورها بشكل إيجابي ولكن أرباب العمل يقع عليهم دور كبير في هذه المشكلة الذين لم يقدموا لعمالتهم دورات تثقيفية بالمجتمع السعودي وعاداته، كما أن على مراكز الأحياء وعمدها دورا كبيرا لعمل دورات ثقافية واجتماعية وتقديم المعونات والصدقات لمن يثبت حاجتهم، إضافة إلى وضع كاميرات مراقبة في الأحياء التي يتكدس فيها العمالة لمراقبة سلوكياتهم السلبية».
من جانبه قال المعلم فارس الزهراني احد العزاب الذين يقطنون في أحياء جدة: سبب تواجد العزاب المواطنين خصوصا الموظفين في المدن داخل الأحياء لعدم توفر وظائف أو أماكن نقل في القرى والمحافظات التي يتبع لها الموظف، وأحيانا يضطر الموظف إلى الابتعاد عن عملة لعدم وجود ساكن أو أنه شخص غير مرغوب فيه في أماكن العوائل، وكثير من الملاك يرفضون تسكين الشباب العزاب ويفضلون الأجنبي، إضافة إلى أن تواجد السكن يكون بأسعار خيالية لا تتناسب مع دخل الموظف».
وطالب الزهراني من القطاعات الحكومية التي يعمل بها المواطنون العزاب توفير السكن أو التعاقد مع مبان تضمن لهم السكن المريح أو تسهيل نقلهم لقراهم ومناطقهم.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لجمعية مراكز الأحياء ورئيس مجلس حي النهضة بجدة حسن سلطان بصفر: إن الظروف الاقتصادية الجيدة التي مرت بها المملكة قد كانت عامل جذب لهجرة الكثير من العمالة للعمل داخل المملكة، حتى إن بعضهم استقر في أماكن معينة أصبحت مستقطبة لنفس الجنسية، مما جعلها فئة اجتماعية احتفظت بالكثير من عاداتها وتقاليدها بينها وانعزلت بسبب عدم اندماجها في المجتمع الحاضن مما تسبب لها بمشكلات تتعلق بالعزلة وعدم تقبل الجماعات الأخرى لهم، وكثير من تلك التجمعات هي تجمعات لعمالة تسكن في أحياء أو مساكن رخيصة وسيئة من نواح كثيرة، مما يجعلها غير مريحة وغير مناسبة للسكن البشري.
وزاد: لا شك أن الإنسان يحتاج إلى مكان مريح يأوي اليه حتى يرتاح من تعب يومه ويريح فيه جسده وعقله، ولكن مثل هذه المساكن بالرغم من سوئها إلا أنها مزدحمة أيضا وذلك حتى يقللوا من قيمة الإيجار على الفرد الواحد، وذلك لأن غالب من يسكن في الأحياء العشوائية هم من فئات اقتصادية متدنية، مما يتسبب في ظهور الكثير من الجرائم التي أحد أسبابها الفقر والإحساس بالإقصاء والتهميش، وبالتالي أصبحت هذه التجمعات مرهقة لهم وضاغطة على نفسياتهم بدلاً من أن تكون مأوى مريحا لهم، وهذه تتسبب لهم بمشكلات نفسية اجتماعية وخصوصاً أن مجتمعنا يقدس الخصوصية، وبالذات تلك المتعلقة بالأسرة، فإن أي تواجد لأي عزاب بالقرب من هذه الأسر سوف يجعلهم عرضة للامتعاض والتذمر وعدم تقبلهم من أرباب الأسر وينظر لهم دائماً بنظرة شك تظهر في سلوك وتعامل أرباب الأسر تجاههم وهذه لها ارتداد عكسي على العمالة والعزاب تتسبب في تولد مشكلات نفسية واجتماعية لإحساسهم بمشاعر النبذ والإقصاء من قبل الآخرين، ونحن بحاجة إلى تنظيم السكن وتنظيم توزيع السكان حتى نتفادى الكثير من المشكلات الناتجة عن ذلك ومنها المشاكل الاجتماعية والنفسية».
بدورها قالت الأخصائية الاجتماعية ريهام جعفر: «تلجأ بعض الشركات والمؤسسات التجارية إلى اختيار أسوأ أنواع المساكن لعمالتها والتي لا تتناسب مع احتياجات العمالة في مبان متهالكة وأحياء عشوائية لخفض النفقات دون مراعاة الحياة الإنسانية للعامل وظروفه الصحية، ويأتي العامل إلى عمله صباحا وهو منهك وفي حالة نفسية سيئة تؤثر على إنتاجه وعطائه، كما أن بعض العمالة لجأ إلى القيام ببعض التصرفات المشينة ومن ابرزها الدخول في ترويج الخمور والمخدرات والجرائم الأخلاقية، وأقلها امتهان بعض المهن التي تحسن دخله مثل غسيل السيارات وبيع المساويك والعمل لدى الغير والحضور للعمل الأساسي بالتثاؤب ومن ثم النوم وهو ما نشاهده كثيرا في أرض الواقع».
وشددت جعفر على أهمية توفير مدن أو مواقع خاصة للعزاب بإشراف من جهات العمل وان تكون قريبة من مواقع عملهم بعيداً عن سكن العوائل، إضافة إلى وجود قوانين صارمة تحمي العوائل من تجمعات العزاب في الأحياء السكنية.
من جهته قال المشرف التربوي محمد الشهري: «الخوف المترتب من تجمع العزاب أساسه مبني على الممارسات السابقة التي شكلت نمطا وانطباعا سائدا بالرفض وعدم تقبل مثل هذه التجمعات، ولكن لو كان هناك نظام يلتزم فيه سكان المجمع من الهدوء والتقيد بمواقف السيارات واحترام خصوصية الآخرين وإلزام ملاك هذه التجمعات بوضع كاميرات في الممرات وداخل وخارج السور يحفظ بذلك حقوق الناس ويضبط سلوكيات سكان المجمع بذلك، أعتقد سيتقبل المجتمع تلك المجمعات بكل رحابة صدر».
من جانبها، قالت المتخصصة في الموارد البشرية في القطاع الخاص هناء الرفاعي: «تكدس العمالة في بعض الأحياء داخل المدن أمر يعود في طبيعته إلى عدة جهات منها حكومية وخاصة، حيث إن أغلب من يقطن هذه الأحياء يتمثلون في عمالة مقيمة منذ فترات طويلة من الزمن دون وجود رقيب ولا حسيب، الأمر الذي ساعد بدوره على التمدد أكثر لمثل هذه الفئات وملاحظة اتساع هذه الدائرة يوماً بعد يوم».
وأضافت «الرفاعي»: «عند مناقشة هذا الأمر للوصول إلى الأسباب وتحديد الجهات المعنية المتسببة في تزايد هذه الظاهرة، نجد أن هناك تساؤلات تتبادر للذهن مباشرة حول نوع العمالة التي تقطن هذه الأحياء؟ وأي نوع من الأعمال تمارس؟ ولأي من قطاعات الأعمال تتبع؟ والإجابة التي بدورها تحدد الجهة المعنية بهذا الأمر وتقديم الحلول الممكنة للحد من هذه الظاهرة العشوائية».
وتابعت «الرفاعي»: «البعض يعتقد أن أغلب من يقطن هذه الأحياء هم عمالة تابعة للقطاع الخاص بشتى مجالاته، وهذا التعميم غير عادل، حيث يمكننا القول إن هناك قلة منها لا يخضع لنظام يضبط سكن العمالة الخاصة به وتتمثل في الشركات العائلية والمؤسسات الصغيرة؛ لأننا من خلال النظر إلى القطاعات الكبيرة نجد أن أغلبها إن لم يكن جميعها يمتلك عقارا خاصا أو ما يسمى بـ»الكمباوند» يتم انضمام الموظف له من لحظة بدء العمل مع الشركة، وبهذا أشير إلى العمالة التي استقدمت مباشرة من الخارج وتم نقل كفالتها على الشركة مباشرة، فالشركة ملزمة بتأمين سكن خاص لهم ورعايتهم، أما النوع الآخر من العمالة وهي الأكثر شيوعاً الآن وذات العلاقة المباشرة بالظاهرة المطروحة هم العمالة المقيمة منذ فترات طويلة من الزمن ولها تنقلاتها بين مختلف قطاعات الأعمال، فنجد أن هذه الفئة تشكل عبئا على الشركات من جهتين، الأولى منها أن العقار التابع للشركة يضم عددا معينا من العمالة، وبالتالي لا يحتمل أعدادا أكثر فيتم التعامل معهم ضمن بقية العمالة التابعة للشركة بصرف بدل سكن خاص لهم بنسبة محددة من الراتب الأساسي وبموجبه يتم استئجار عقار خارجي لهم من قبل العمالة، أما الثانية وهم فئة من العمالة الذين يفضلون الحصول على بدل سكن بشكل شهري مع توليهم أمر السكن بنفسه، وهذه العملية بالنسبة لهم توفر الكثير من المال سنوياً بحجة نزولهم مع أصدقاء لهم سابقين يقطنون أحياء محددة لا يكلفهم جميعهم ما يدفعه الفرد الواحد منهم من إيجار سنوي».
وأكدت الرفاعي أن المسؤولية تقع على عدة جهات حكومية تتمثل في أمانات المدن ووزارة العمل والقطاع الخاص، مقترحة أن يقوم القطاع الخاص بتخصيص مساحات كافية في العقار الخاص به لضم جميع العمالة لديه بنوعيها والحد من العشوائية في ذلك، إضافة إلى تدخل الشركات بتقديم مبادرات اجتماعية لإيجاد حلول مرضية لكافة الأطراف للحد من تمدد هذه الظاهرة داخل الأحياء.
وقال معتوق الشريف مراقب حقوق الإنسان: «لا شك أن سكن العمالة في وسط مساكن العوائل امر غير مرغوب، فالنفس البشرية بطبيعتها تقود الإنسان للتفكير في الانحراف فتواجد العمالة وخصوصا العزاب قد تدفع بهم للتفكير في السرقة أو معاكسة السيدات في الحي لاسيما في أوقات عدم تواجد أرباب الأسر، خصوصاً أن كثيرا من ربات البيوت في بعض الأحياء الشعبية عمن يقمن بقضاء حوائجهن بالتسوق في المحال المتوفرة في الحي مما يعرضهن للخطر بوجود هذه العمالة غير النظامية، إضافة إلى أن سكن العمالة داخل الأحياء في مساكن قديمة ومتهالكة وهي بهذه الصورة تساهم في جعل الأحياء التي يسكنونها أحياء غير صحية ينتشر فيها كثير من الأمراض وتكاثر البعوض والقوارض؛ لأنه من الطبيعي أن نظافة المنازل لا يتقنها إلا السيدات أما العمالة فغالبا لا يتقنون فنون النظافة ومساكنهم تكون بؤرا غير صحية، لذلك وحماية للمجتمع فإني أقترح أن تكون هناك مجمعات خاصة بالعمالة، مما يسهل على المراقبين رصد حقوق العمالة ومن ابرزها تسكينهم في مساكن ملائمة».
يرى ضيوف ندوة «اليوم» أهمية تطبيق الضوابط التنظيمية لإسكان العمالة وتحييدها عن مساكن العائلات وفي الصورة يتحدثون للزميل عبد العزيز العمري خلال الندوة
عبد الله اليامي يدلي برأيه في الندوة وبجواره سليمان الزايدي
معظم مساكن العمالة تفتقد إلى الجوانب الصحية والاجتماعية والنفسية
التجمعات العمالية في الأحياء ينتج عنه تأثير في الأنماط الاجتماعية