الماء لا سعر له، فهو أثمن وأندر من أن يُباع. ما ندفعه له صلة بتوفيره وإيصاله لمنازلنا. وفي المملكة فما ندفعه حتى مع التعديلات الأخيرة في التعريفة، والتي شملت بعض السلع كما ورد في قرارات مجلس الوزراء الموقر أرقام 94 و95 و96 نهاية العام الماضي، فما زال الماء الذي يصلنا عبر الشبكة دون التكلفة. ولابد من بيان أن العديد من بلدان العالم، ولاسيما الدول النامية توفر الماء دون التكلفة. ولابد كذلك من بيان أن تعريفة الماء في بلدان العالم تتصاعد، لسببين رئيسين: الأول أن ندرة الماء تزداد حدة، وأن تكلفة توفير الماء الصالح للشرب ونقله وتوزيعه وتدويره تتصاعد كذلك.
يقوم الطرح الرسمي لوزارة المياه والكهرباء على أن التعريفة من بين الأقل مقارنة ببقية بلدان العالم، وأنها تأخذ بعين الاعتبار المعدل المرتفع للماء للفرد هنا (300 لتر يومياً) مقارنة بمعظم بلدان العالم، حتى تلك التي تحاط بالماء إحاطة السوار بالمعصم، مثل مقاطعة "بافاريا" الألمانية الغنية بالمياه والتي يقل متوسط استهلاك الفرد فيها عن 100 لتر يومياً. مبينًا أن تعرفة الاستهلاك السكني لخدمة المياه والكهرباء في المملكة لم تعدل طيلة أكثر من 15 عاماً على رغم زيادة التكاليف الرأسمالية والتشغيلية. ويشير الطرح الرسمي إلى أن الاسراف الكبير في استهلاك الفرد، جعل المملكة تحتل الترتيب الثالث عالمياً بعد أميركا وكندا في معدل استهلاك الفرد للمياه كل يوم على رغم ندرة مصادر المياه في المملكة والصعوبة البالغة في تحليتها ونقلها إلى مستخدميها. وأنه حتى بعد الزيادة فنحو 52 في المئة من المشتركين في خدمات المياه لن يدفعوا أكثر من ريال واحد في اليوم، باعتبار أن متوسط الاستهلاك هو 300 لتر للفرد، وأن الأسرة مكونة من ستة أشخاص. وشدد على أن "الدولة لا تهدف من تعديل الأسعار إلى زيادة مواردها، بل تهدف إلى ترشيد الاستهلاك وإيقاف الهدر، إذ ان معدل الاستهلاك المحلي لموارد الطاقة وصل إلى معدلات مرتفعة لا يمكن الاستمرار عليها خلال السنوات القادمة. وذَكَرَت الوزارة أنها كانت قد أطلقت حملة ترشيد الاستهلاك في المياه قبل نحو 10 سنوات لم تحقق أهدافها المنشودة بالكامل على الرغم أن الوزارة وزّعت أدوات الترشيد على أكثر من ثلاثة ملايين مسكن.
التعرفة الحالية تصاعدية، وأساسها الشرائح، كل شريحة 15 مترا مكعبا؛ الشريحة الأولى 15 هللة م3 (مياه+صرف)، الشريحة الثانية 1.5 ريال م3، الثالثة 4.5 ريال م3، الرابعة 6 ريالات م3، والشريحة الأخيرة 9 ريالات (مياه+صرف) لكل م3 للاستهلاك الذي يزيد عن 60 م3. وإذا طبقنا الأمثلة التي درج على استخدامها بعض مسؤولي الوزارة المعنية، نجد أن أسرة مكونة من ستة أشخاص ستدفع فاتورة مياه وصرف قدرها 146.25 ريال سعودي، بافتراض ان استهلاك الفرد 300 لتر من المياه يومياً (2.25 ريال أول 15م3، 22.5 ريال لثاني 15 م3، 67.5 ريال لثالث 15م3، و54 ريالا للتسعة أمتار مكعبة الأخيرة.
لا يملك مستهلك المياه إلا أن يُقارن فاتورة استهلاك المياه لهذا الشهر مع الفواتير السابقة؛ فتلك هي نقطته المرجعية التي ترتبط بما كان يَدفع قبلاً وما سيدفعه الآن! ولذا، لا يبدو مفيداً عقد مقارنات مع بلدان الدنيا من حيث الاستهلاك وأسعار التعرفة، بل لابد من بيان أن الأساس قد اختلف الآن، وأن التوجه هو نحو الانتقال من صيغة خفض الدعم، وأنه لابد من ترشيد استهلاك المياه بتغيير أنماطه السابقة. ولكي تُساعد الوزارة المستهلكين على الانتقال من نمط استهلاكي استمر لسنوات طوال على توفير ماءٍ "رخيص" التعرفة، إلى نمط جديد يعتمد على تعريفة أعلى، فلابد من أن تؤهل الوزارة عدداً من الشركات المهنية المتخصصة لتساعد المساكن على خفض استهلاكها من المياه، سواء عن طريق معالجة التسريبات، أو تغيير الصنابير، أو تقليص سعة خزانات "السيفون"، أو حتى بكسر العادات القائمة على الاسراف في استخدام المياه في حياتنا اليومية. وإلا فسيكون الأمر، كما يقول المثل الشعبي، ان المستهلك "قطيناه على صخر"! والسبب أن المستهلك يدرك أن الماء كان يتاح رخيصاً، وأنه لابد من ترشيد، لكن كيف؟! الوزارة هي الجهة المعنية بمساعدة المستهلك لكي يُرشد وبذلك تنخفض قيمة فاتورته، باعتبار أن الترشيد هو الهدف المعلن لتعديل التعريفة وليس زيادة التكاليف على المستهلكين. بمعنى أن استمرار المستهلكين بالنمط الحالي القائم على استهلاك الكثير من الماء سيعني أن الوزارة لم تحقق هدفها. إذاً على الوزارة الموقرة أن تبذل جهداً عملياً بأن توفر وسائل وتقنيات ومنشآت عملية تأخذ المستهلك (عملياً) وليس فقط توعوياً إلى بَرّ الاستهلاك الرشيد للمياه. أما حالياً، فمن ارتفعت فاتورته ارتفاعاً كبيراً عن السابق، فليس له إلا أن يدخل سلسلة من المغامرات مع السباكين وشركات كشف التسربات، ولا أحد يعلم هل هم مهنيون حقيقيون يخافون الله في الناس أم أنهم أدعياء وطامعون في تحقيق ثروات استغلالاً لمعاناة المستهلك. ولابد من بيان أن ما سيكلف الأسرة في المثال أعلاه 146.25 ريال (طبقاً للتعرفة الجديدة) كان سيكلفها (طبقاً للتسعيرة القديمة) أقل من عشرة ريالات، فالتعريفة القديمة كانت كذلك مبنية على شرائح، كل منها 50 م3، بدأت الأولى بعشر هللات م3، ثم الثانية 15 هللة للخمسين م3 الثانية، فارق كبير، فمن يدل المستهلك على طريقة عملية لترشيد الاستهلاك ليصل إلى "نموذجية" المعايير الدولية 85 لترا يومياً للشخص الواحد، لتستهلك أسرة مكونة من ستة أشخاص نحو 15م3 شهرياً، فتدفع 2.25 ريال شهرياً لفاتورة المياه والصرف؟.