في الوقت الذي مازال فيه الاتحاد الأوروبي يعاني هجمات باريس التي شهدتها العاصمة الفرنسية في نوفمبر الماضي، تأتي التفجيرات الإرهابية الأخيرة التي وقعت في عاصمة بلجيكا بروكسل في الثاني من مارس الجاري، بالتزامن مع الجهود الأوروبية الرامية لحل أزمة المهاجرين، كما تزامنت هذه الهجمات مع تطور آخر مهم يتجسد في إبراز القوى القومية الأوروبية تحديها للمبادئ الأساسية للاتحاد القاري، بما في ذلك حرية حركة العمالة، واتفاق «شينجن» الذي قضى على مراقبة الحدود بين العديد من الدول الأعضاء، وهو الأمر الذي سيؤدي بكل تأكيد إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في أوروبا، نتيجة الخوف والريبة الناجمين عن هذه الهجمات، بحسب تحليل نشرته مؤسسة «ستراتفور» الأمريكية المعنية بالتحليلات الاستخباراتية والجيوسياسية.
تشريعات جديدة للأمن القومي
ومن المتوقع أن تكون أولى نتائج هجمات بروكسل هي بدء جولة جديدة من الجَدَل حول مراقبة الحدود في الاتحاد الأوروبي، ولا سيما في منطقة شينجن، وكان هذا الاتفاق تعرض لنقد شديد في بداية أزمة المهاجرين في أوائل عام 2015، وصعّدت هجمات باريس من حدة الجَدَل، خاصة وأن الجناة تنقلوا بين فرنسا وبلجيكا دون الكشف عن هوياتهم.
ونتيجة لذلك، عززت فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية الرقابة على حدودها. وقالت المفوضية الأوروبية منذ ذلك الحين إنها تريد رفع كافة أشكال الرقابة على الحدود في منطقة شينجن بحلول نهاية عام 2016. ومع ذلك، فإن الهجمات الاخيرة، التي من المحتمل أن تتبعها تفجيرات أخرى غيرها، سيجعل من تنفيذ هذا الإجراء صعبًا.
ورجّح تحليل لمؤسسة «ستراتفور» الأمريكية، أن تعلن العديد من الحكومات في أوروبا الغربية قريبًا عن تشريعات جديدة للأمن القومي، مع تشديد الرقابة على المقاتلين العائدين من بؤر الصراع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع دول الجوار، والحال كذلك سيستأنف أعضاء الاتحاد الأوروبي المناقشات حول أفضل السبل لمكافحة الإرهاب في الخارج في الدول المضطربة مثل ليبيا وسوريا، وسيصبح الأوروبيون أكثر استعدادًا للمساهمة في التحالف ضد تنظيم داعش، مع توفير المزيد من الأسلحة والتدريبات للقوات العسكرية العراقية والميليشيات الكردية وزيادة نشر الطائرات المقاتلة والمشاركة في بعثات المراقبة لحلف شمال الأطلسي «ناتو» في تركيا.
تداعيات الهجمات على الاتفاق التركي- الأوروبي
وأوضح التحليل الأمريكي أنه من الممكن أن يتأثر أيضًا الاتفاق الهش الذي عُقد مؤخرًا بين تركيا والاتحاد الأوروبي للحد من وصول طالبي اللجوء الى أوروبا، وذلك لأن الوعي المتجدد بخطر الإرهاب بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، سيلفت الانتباه أكثر إلى الحدود الخارجية للاتحاد، وربما يعزز من تبرير تعميق التعاون مع تركيا.
كما توقع التحليل أن تعيد الهجمات إثارة المشاعر المعادية للمسلمين في أوروبا، ما يؤدي إلى زيادة المطالب الشعبية لحكومات الاتحاد الأوروبي بعدم منح المواطنين الأتراك حرية السفر بدون تأشيرة، وهو شرط أساسي وضعته أنقرة للتعاون بشأن قضايا المهاجرين، ومن المحتمل أن تؤدي المشاعر المعادية للمسلمين أيضًا إلى تقوية الأحزاب القومية في جميع أنحاء القارة. ويحظى حزب «الجبهة الوطنية» الفرنسي اليميني على دعم كبير في استطلاعات الرأي الانتخابية. وفي ألمانيا حقق حزب «البديل لألمانيا» المناهض للهجرة نجاحات باهرة مؤخرًا في الانتخابات الإقليمية، ويُعد هذا الحزب حاليا ثالث أكثر الأحزاب شعبية في البلاد.
ومن المزمع انعقاد الانتخابات العامة في كل من فرنسا وألمانيا في عام 2017، وسيتم حصد الأصوات على خلفية أزمة الهجرة والهجمات الإرهابية المتعددة. وفي كلتا الحالتين ستخضع الأحزاب السائدة لضغوط انتخابية من منافسيهم القوميين، ونتيجة لذلك، يرجّح التحليل تبني بعض العناصر لبرامج الأحزاب القومية. وذات الشيء يمكن توقع حدوثه في بلدان الشمال الأوروبي الأخرى، مثل هولندا والسويد التي تشهد أيضًا حركات قومية قوية نسبيًا، كما يمكن للأحزاب والجماعات السياسية التي تريد من المملكة المتحدة الخروج من الاتحاد الأوروبي أن تستغل الهجمات الإرهابية الأخيرة لتبرير أسبابها للانعزال عن القارة.
تداعيات اقتصادية
وعلى الصعيد الاقتصادي فإن هجمات بروكسل ستضر بالاقتصادات الأوروبية، وإن كان لفترة قصيرة فحسب. ففي الأيام المقبلة سيقرر بعض مواطني البلدان الأوروبية في بلجيكا وغيرها من بلدان أوروبا الغربية تجنب السفر أو الوجود بالمناطق المزدحمة، مثل المقاهي ومراكز التسوق، خوفًا من حدوث هجوم آخر، وهذا قد يؤدي إلى خنق الاستهلاك المحلي وقطاع السياحة مؤقتًا، بينما يرى معظم الأوروبيين أن التهديدات الإرهابية الآن باتت جزءا من حياتهم اليومية. أما التأثيرات بعيدة المدى لهذه الهجمات الإرهابية فانها ستؤثر على نسيج الاتحاد الأوروبي بشكل يتخطى السياسة الوطنية والاقتصاد.
بلجيكا وتركيا واستراتيجية «داعش»
من جانبه ربط الكاتب والمحلل السياسي جورج فريدمان في تحليل نشره موقع «جيوبوليتيكال فيوتشرز» الأمريكي بين الهجمات التي وقعت في بلجيكا وفي تركيا معًا، وقال الكاتب إن هذه الهجمات أصابت المعاقل الرمزية لاثنين من الأعداء المحتملين لتنظيم «داعش» وهما أوروبا وتركيا بهدف زعزعة الاستقرار فيهما وتجنيد عملاء محتملين في كل منهما.
وقال فريدمان متسائلا: «وقع هجومان هذا الاسبوع، يبدو أن المسؤول عنهما هو تنظيم داعش، الأول في تركيا في 19 مارس، والثاني في بلجيكا في 22 مارس. قد يكون التقارب الزمني بين الهجومين مجرد صدفة، لكن يميل تنظيم «داعش» إلى الترتيبات الأكثر استراتيجية من غيره من الجماعات الإرهابية ولديه القدرة على تنسيق الهجمات. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: لماذا اختار هذا التنظيم شن هجمات في بلجيكا وتركيا على وجه الخصوص؟
ويوضح بقوله «هناك إجابة تشير إلى وجود عملاء لـ «داعش» في كلا البلدين. فتركيا بلد مسلم، والتنظيم قادر على تجنيد الأتراك ونقل عناصر آخرين إلى تركيا إذا لزم الأمر. كما تضم بلجيكا عددًا كبيرًا من السكان المسلمين، ويمكن أن يستهدفهم التنظيم لحشد عملاء جدد وتوظيفهم. لكن بطبيعة الحال، ينطبق هذا أيضًا على كثير من البلدان».
ومن المثير للاهتمام، بحسب فريدمان، أن هذه الهجمات وقعت ضد دول يعتبرها تنظيم «داعش» مهمة من الناحية الاستراتيجية. فأهمية تركيا واضحة بوصفها قوة عظمى في منطقة الشرق الأوسط. كما كان لديها علاقات حميدة نسبيًا مع تنظيم «داعش»، لكن هذه العلاقات انهارت.
وتابع فريدمان بقوله: يبين التنظيم لأتباعه من خلال ضرب تركيا أنه قادر على ضرب أي عدو. كما يأمل التنظيم إعطاء دفعة للجهاديين المحتملين داخل تركيا ليقوموا بهجمات، مما يشلّ قدرات تركيا على ضرب داعش في سوريا والعراق سياسيًا وعسكريًا. وزاد: «يحاول التنظيم تشكيل سلوك تركيا التي تشغل وجودًا هائلًا في المنطقة وتشكّل رمزًا لوجهات النظر غير العربية تجاه «داعش». أما بلجيكا، فلا تُعد إحدى البلدان الأوروبية الأساسية، مثل فرنسا، فحسب، لكنها أيضًا عاصمة أوروبا بمعنى من المعاني، حيث تضم بروكسل مقر أمانة الاتحاد الأوروبي، كما أنها تقع بالقرب من مقر منظمة حلف شمال الأطلسي «ناتو». وضرب بروكسل وفقا لهذه المعطيات، يعني لداعش ضربا لمركز أوروبا التي بات هذا التنظيم ينظر إليها كعدو، وليس لأنها تدين بالمسيحية فحسب، لكن لأنها تعتبره عدوًا أيضًا.
أسباب مهاجمة تركيا وبلجيكا
ويقول فريدمان في تحليله «هذه هي النقطة التي تصل بنا إلى لب الموضوع من الناحية الاستراتيجية، حيث تشكّل تركيا وأوروبا مجتمعيْن نواة محتملة لمقاومة «داعش»، والإمكانية الوحيدة التي يمتلكها التنظيم لردعهما عن العمل، أو شل قدراتهما على العمل هو القيام بعمليات إرهابية ضدهما. وأوضح في تحليله أنه: «إذا نجحت هذه العمليات، فستخدم غرضين: أولهما ستخلق فصيلًا في كل دولة تقاوم محاربة «داعش» خشية العواقب. ثانيهما ان داعش سيستغل عدد السكان الكبير في كلتا الدولتيْن لتجنيد عملاء يمكنهم الانضمام إلى صفوف التنظيم، وحتى لو تعذر ذلك على الفور، فإن تمحيص هؤلاء السكان وإخضاعهم بطريقة لا مفر منها قد يؤدي إلى تجنيد عملاء.
ويقع تنظيم «داعش» تحت ضغط كبير من القوات التقليدية، ويبدو أن حدوده تنكمش في سوريا والعراق. ما يعني أنه يحتاج الى زعزعة استقرار الأعداء المحتملين، وارسال رسائل رمزية.
ويعتبر الهجوم على السياح بالقرب من ميدان تقسيم في قلب اسطنبول أحداستراتيجيات التنظيم. أما مهاجمة عاصمة أوروبا، فهي استراتيجية أخرى، فمع الضغوط المتوالية على داعش في سوريا والعراق، يجب أن ينظر في هذا التحول من الدور التقليدي إلى دور التمرد. ويلجأ داعش إلى مزيج مثالي من الحفاظ على العمليات التقليدية مع تكثيف الأعمال الإرهابية خارج سوريا والعراق. واختتم جورج فريدمان تحليله بالقول: «يمتلك تنظيم «داعش» القليل من الخيارات في هذا الصدد، لكن مهاجمة اسطنبول وبلجيكا تشكّل ضربات موجهة نحو قلب اثنين من التهديدات المحتملة، عبر استخدام الموارد الموجودة في تلك البلدان، وتوليد استجابات يمكنها أن تعزز من موقف التنظيم».
هدف «داعش» التالي في أوروبا
وتُظهر الهجمات الأخيرة في بروكسل أن قدرة الإرهابيين على ضرب قلب أوروبا لا تزال قائمة على ما يبدو. وبينما تبدو بلجيكا مركزًا غير مرجح، لكن على الرغم من كونها دولة صغيرة ومسالمة، فهناك علاقة طويلة بين بلجيكا والتشدد. ففي التسعينات قام جهاديون محليون في بروكسل بتسليم بنادق ورصاص إلى «الجماعة الإسلامية المسلحة»، وهي جماعة من الإرهابيين الجزائريين الذين كانوا يهدفون إلى إقامة دولة «إسلامية» في الجزائر. كما توجهت مجموعة من السكان البلجيكيين طوال ذلك العقد إلى القتال في عدة صراعات خارجية، بما في ذلك ساحة القتال في الشيشان.
وبعد أحداث 11 سبتمبر في أمريكا، أدت محاكمة كبرى للإرهاب في بلجيكا إلى إدانة أكثر من 20 من الإسلاميين، وكان ممن شملتهم عقوبة الحبس حينها نزار الطرابلسي لاعب كرة القدم المحترف السابق الذي كان قد انضم إلى تنظيم القاعدة، وخطط لارتكاب هجوم انتحاري على قاعدة جوية للناتو، وكان من بينهم أيضا طارق معروفي الذي كان على صلة باغتيال القائد العسكري الأفغاني أحمد شاه مسعود. ومع حدوث تحولات في الحرب السورية في الآونة الأخيرة، تدفق البلجيكيون إلى هناك بأعداد كبيرة. ومن بين 5 إلى 6 آلاف أوروبي حاربوا في سوريا، تشير التقديرات الى أن هذا العدد يضم 553 بلجيكيًا، وهذا ما يجعل البلاد أكبر موطن لعدد المقاتلين الأجانب في سوريا من بين الدول الأوروبية والغربية. ولا غرو أن يعترف وزير العدل البلجيكي بأن بلاده لديها «مشكلة مع المقاتلين الأجانب». وسبق أن أُدين بعض وسطاء السفر لهؤلاء المقاتلين إلى سوريا بتهم تتعلق بالإرهاب في محكمة بلجيكية في فبراير 2015. وتشير معظم التقديرات إلى عودة أكثر من 100 بلجيكي الآن من الصراع في سوريا. وعلى الرغم من أن هذه النقطة مقلقة بدرجة كافية، لكن يتعين وضعها في سياق قضية أوسع حيث تسمح «اتفاقية شنغن» بحرية الحركة دون عائق في أنحاء كثيرة من أوروبا، وهي الميزة التي استغلها الجهاديون مرارًا وتكرارًا، ويمكن وفقا لذلك لأي جهادي من سوريا يقرر العودة إلى ألمانيا أو فرنسا أن يعرّض بلجيكا لنفس القدر الكبير من الخطر الذي يثيره أي شخص وُلد وترعرع في بروكسل، ويمتد هذا الخطر على مستوى القارة، ويُعتقد أن ما يقرب من 2000 مقاتل قد عادوا إلى أوروبا. وعلى الرغم من كل هذا، قد تظل هناك بعض الحيرة بشأن اختيار بلجيكا كهدف لأحدث هجوم تنفذه داعش في أوروبا. ولا تعتبر بلجيكا قوة عسكرية رائدة مثل فرنسا أو المملكة المتحدة، لكنها تعتبر مركزًا للأهداف التي ينفذها تنظيم «داعش» في أوروبا على أمل أن تشكّل مصدرا لإلهام المجندين الجدد المؤمنين بقضيتهم. وعلى الرغم من كل ذلك، فقد كانت بروكسل هي أول من شهدت ضحايا لمقاتلين أجانب عائدين من سوريا، فقد قام مهدي نيموش الذي قاتل ضمن صفوف «داعش» في سوريا، بإطلاق النار على أربعة أشخاص في المتحف اليهودي في بروكسل في مايو 2014 مما أسفر عن مقتلهم جميعا.
وكانت بلجيكا أيضًا موقعا لأول هجوم يديره التنظيم بنفسه في أوروبا وليست كمجموعة تتخذها مصدرا للإلهام، حدث ذلك في فيرفيرس بشرق بلجيكا في يناير الماضي، عندما أظهر «داعش» موهبته في إعادة مقاتلين مدربين إلى أوروبا قادمين من سوريا وهم يحملون الأسلحة والقنابل، في محاولة لتوجيههم إلى شن هجوم كبير، وكانت الخلية محملة بأجهزة ومتفجرات وأجهزة اتصال لاسلكية وكاميرات حديثة. وأفاد المدعي الاتحادي البلجيكي أن الخلية كانت تخطط لشن «هجمات إرهابية وشيكة على نطاق واسع»، ولحسن الحظ تم إحباط هذه المخططات، وكان البلجيكيون يتتبعون الخلية لأسابيع وبعد تبادل مثير لإطلاق النار، قُتل اثنان من الإرهابيين وأُلقي القبض على اثنين آخرين.
مشكلة اندماج المهاجرين الجدد
ويرى روبن سيمكوس وهو باحث وزميل في مؤسسة «هيريتدج» الأمريكية للأبحاث، في تحليل نشرته مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية، أن العوامل ذات الصلة بحادثي المتحف اليهودي وفيرفيرس ستعاود الظهور مجددًا في الأشهر التالية. وقال ان العامل الأول هو وجود مواطن بلجيكي يدعى عبدالحميد عبود، الذي اعتبره المحققون حلقة وصل بين قيادة «داعش» في سوريا وعملياتهم في أوروبا، وكان عبود على صلة بنيموش وخلية فيرفيرس. أما العامل الثاني فهو أن جميع العناصر كانت لديهم صلة بحي مولينبيك، وهو حي فقير في بروكسل ارتبط دومًا بالتحقيقات المتعلقة بالإرهاب، وظهر اسم هذا الحي الفقير الذي يعج بالبطالة والكثافة السكانية العالية مرارًا وتكرارًا في الأنشطة الإرهابية المرتبطة بداعش. كان أيوب الخزاني، الذي حاول إطلاق الرصاص على ركاب أحد القطارات المتجهة إلى باريس في أغسطس الماضي، يقيم في مولينبيك. وكانت الشرطة شنت غارة كبيرة على الحي بعد هجمات باريس في نوفمبر الماضي، حيث كان العديد من منفذي الهجمات يعيشون هناك. بينما تم اعتقال صلاح عبدالسلام، أحد المتآمرين المتورطين في ذلك الهجوم، بعد إحدى المداهمات لمولينبيك منذ أيام. أما عبود فقُتل في نوفمبر الماضي اثناء مداهمة جرت في باريس. ومع ذلك فإن المشاكل التي يعاني منها حي مولينبيك تتخطى ما يتعلق بتنظيم «داعش»، حيث ترتبط بمشكلة أوروبية أوسع بشأن التعددية الثقافية والدمج الفعال للمهاجرين الجدد. وفي الوقت الذي تستقبل فيه أوروبا أكثر من مليون لاجئ فضلًا عن المهاجرين لأسباب اقتصادية كل عام، لا يمكن حل المشكلة على وجه السرعة بما فيه الكفاية، وإنما قد يستغرق الحل لأجيال متعاقبة.
ولكن تبقى الأولوية على المدى القصير هي تحديد حجم الشبكة الأوروبية لـ «داعش». بعدما تبين أن التنظيم سُمح له بتأسيس جذور له في العديد من المدن. وقام هو أو الجماعات والأفراد الذين يتخذونه مصدر إلهام، بشن هجمات الآن في فرنسا وبلجيكا والدنمارك. وتم إحباط مؤامرات في النمسا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة.
يذكر أن وكالات الاستخبارات حققت العديد من النجاحات بعد أحداث 11 سبتمبر، لكن في المقابل فان عدد الهجمات التي تفلت من قبضتها يتزايد بسرعة، واحتمال قيام داعش بهجوم ناجح آخر أمر لا مفر منه تقريبًا. ولكن كل ما يمكن أن يقدمه القادة الأوروبيون هو تكرار التصريحات التي تعبر عن الحاجة إلى مزيد من تبادل المعلومات الاستخباراتية بين دول الاتحاد الأوروبي.
الى ذلك راهن تنظيم «داعش» على تعمق المشكلات الأوروبية بما في ذلك مخاوف القارة من اندماج السكان المسلمين في جميع أنحائها، مع عدم وجود هوية وطنية واضحة، ووجود الحدود المفتوحة، مع طغيان الأجهزة الأمنية. ويراهن التنظيم على أن الوضع سيصبح يائسًا بدرجة تساعده على شن حرب لإنقاذ أرواح المسلمين الأوروبيين، وتقديم خيارين يتمثلان في «الردة» أو دعم خلافتهم، وهو الخيار الذي سيخسرونه بكل تأكيد. لكن يرى روبن سيمكوس أنه ينبغي للدماء التي ستُسفك في الطريق أن تجعلنا نخشى ما ينتظر أوروبا في السنوات القادمة.