انطلقت امس الخميس في واشنطن قمة الأمن النووي بحضور عدد من قادة العالم، ومن المتوقع أن يكون التهديد المستمر من جانب كوريا الشمالية والمخاوف من احتمال حصول تنظيم داعش على سلاح نووي في صدارة جدول أعمال القمة.
وهذه القمة هي الرابعة التي تهدف إلى تعزيز الأمن النووي حول العالم منذ وضع الرئيس الأمريكي باراك أوباما منع الانتشار ضمن أولويات سياسته الخارجية عام 2009م.
ويشارك في القمة مسؤولون وممثلون عن منظمات دولية لبحث سبل تقليص وتأمين مخزونات الأسلحة النووية. وتتطرق المشاورات إلى التهديدات التي تمثلها الجماعات الإرهابية مثل داعش على المناطق الحضرية في أنحاء العالم.
وفي الوقت الذي بدأت تتزايد فيه المخاوف من الإرهاب النووي يبدو أن حملة الرئيس الأمريكي للحيلولة دون استغلال المواد الذرية المعرضة للعبث على مستوى العالم قد فقدت زخمها ومن المحتمل أن تتباطأ بدرجة أكبر.
ومع تناقص الفترة الباقية لأوباما في منصبه لمتابعة واحدة من مبادرات السياسة الخارجية التي ارتبطت باسمه إذ أصبحت أقل من عشرة أشهر جمع الرئيس الأمريكي زعماء أكثر من 50 دولة لحضور القمة والتي تمثل عملية دبلوماسية على مستوى عال بدأت في عهده وستنتهي في عهده أيضا.
كذلك فإن مقاطعة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -لعدم رغبته فيما يبدو المشاركة في تجمع تهيمن عليه الولايات المتحدة في وقت تتزايد فيه التوترات بين واشنطن وموسكو- تزيد الشكوك في إمكانية أن يسفر الاجتماع عن نتائج لها ثقلها.
وقد أثارت الهجمات الدموية الأخيرة في بروكسل القلق من أن يتجه تنظيم داعش في نهاية الأمر لاستهداف محطات نووية ويطور "قنابل قذرة" مشعة، وهي مسألة ربما تكون الشغل الشاغل في أذهان القادة خلال اجتماعاتهم.
ورغم ما حققه أوباما من تقدم بإقناع عشرات الدول للتخلص بنفسها من المواد المستخدمة في صناعة القنابل أو تقليل المخزونات وتأمينها فما زال جانب كبير من البلوتونيوم واليورانيوم المخصب عرضة للسرقة على مستوى العالم.
الغياب الروسي
من الممكن أن يؤدي غياب روسيا -إحدى أكبر الدول النووية- إلى صرف الأنظار عن القرارات التي يتم التوصل إليها في واشنطن هذا الأسبوع.
وقال أوباما في مقال رأي نشرته صحيفة واشنطن بوست: "إن ترسانتنا النووية الهائلة التي ترجع إلى الحرب الباردة لا تلائم تهديدات اليوم. وعلى الولايات المتحدة وروسيا -اللتين تملكان معا أكثر من 90 في المائة من الأسلحة النووية في العالم- التفاوض على تقليص مخزوناتنا بدرجة أكبر".
وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين يوم الأربعاء: إن روسيا لن تشارك في القمة بسبب "غياب التعاون المتبادل" في إعداد جدول الأعمال.
ورغم أن جوش ايرنست المتحدث باسم البيت الأبيض أشار إلى أن موسكو واصلت العمل المشترك فيما يتعلق بالأمن النووي فقد قال: إن روسيا "ستفوتها فرصة"، وإن عدم حضورها يصور "درجة العزلة التي أصبحت عليها روسيا".
وقد استاءت روسيا من العقوبات التي قادت الولايات المتحدة حملة فرضها عليها بسبب الصراع الأوكراني.
ومن العوامل التي أدت إلى تعقيد الجهود الرامية لجعل العالم أكثر أمنا ما حققته كوريا الشمالية من تقدم في الأسلحة النووية وتحرك باكستان لصنع أسلحة نووية تكتيكية أصغر حجما وهو ما تخشى واشنطن أن يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في المنطقة المضطربة.
ولكل هذا تأثيره على جدول أعمال أوباما وهو يستعد لاستضافة زعماء العالم يومي الخميس والجمعة. وكان أوباما قد افتتح القمة الأولى قبل ست سنوات تقريبا بعد أن استغل خطابا ألقاه في براج عام 2009 لشرح هدف تخليص العالم من السلاح النووي كفكرة أساسية في فترة رئاسته. ولا يوجد ما يضمن أن يجعل الرئيس التالي هذا الموضوع من أولوياته بعد أن يترك أوباما البيت الأبيض.
الخطر قائم
واستعرض البيت الأبيض قبل القمة سلسلة من الانجازات في المسعى الذي تقوده الولايات المتحدة لإحكام الرقابة على المواد النووية التي يمكن استخدامها في صنع أسلحة، ويشيد من ينادون بالحد من التسلح بأوباما لبلورته استجابة دولية لحل المشكلة.
ومع ذلك يقول كثيرون: إن ما تحقق من تقدم تباطأ منذ القمة السابقة التي عقدت عام 2014 وإن دولا مثل اليابان والهند وباكستان تعد أنشطة يمكن أن تؤدي لزيادة مخزونات المواد النووية.
وقالت «مبادرة التهديد النووي» -وهي جماعة تسعى للحد من الانتشار النووي- في تقرير هذا الشهر: "كان لقمم الأمن النووي أثر إيجابي لكن الهدف الاستراتيجي المتمثل في تطوير نظام عالمي فعال للأمن النووي لم يتحقق حتى الآن".
وتقول الجماعة: إن مؤشرها للأمن النووي والذي يتابع سلامة المواد النووية التي تصلح للاستخدام في صنع أسلحة إن العامين الأخيرين لم يشهدا أي تحسن في عدد من التدابير من بينها الحماية الفعلية للمواقع والتأمين أثناء النقل والقدرة على استعادة ما يفقد من مواد مشعة.
وقال التقرير أيضا: إن المفاعلات النووية في كثير من الدول عرضة لهجمات الكترونية. وحصلت سبع دول من 24 دولة بها مواد نووية تصلح لصنع الأسلحة من بينها الصين وبلجيكا على أقل درجة ممكنة على تأمين منشآتها من الهجمات الإلكترونية.
ويشير آخرون لهم مآخذ على التأمين النووي إلى عدم وجود مجموعة من المعايير الدولية المتفق عليها للأمن النووي أو آلية لإحكام الرقابة على المصادر الشائعة للمواد المشعة، وهي غالبا ما توجد في المستشفيات والمعامل الطبية.
ومع ذلك أشارت لورا هولجيت مستشارة أوباما لأسلحة الدمار الشامل إلى التزام 30 دولة في قمة عام 2014 بتأمين أشد المواد النووية لديها خطورة.
وقالت للصحفيين قبل القمة: "لقد زاد المجتمع الدولي من صعوبة حصول الإرهابيين على السلاح النووي أكثر من أي وقت مضى وهذا جعلنا جميعا أكثر أمنا".
النووي الكوري
كما تهدد كوريا الشمالية بشكل شبه يومي الجنوب وحليفه الامريكي بضربات نووية وتقليدية ولم تكترث على ما يبدو بالقرار 2270 الذي اصدره مجلس الامن الدولي في الثاني من مارس وينص على فرض عقوبات على بيونغ يانغ.
وفي هذا الاطار، سيترأس اوباما اجتماعا ثلاثيا مع الرئيسة الكورية الجنوبية بارك غوين هيي ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي.
ويفترض ان يطالب القادة الثلاثة بتطبيق صارم للنصوص التي صدرت ضد النظام الشيوعي. كما سيبحثون في الدرع الامريكية ضد الصواريخ البالستية (ثاد).
وقال دان كريتنبريك المستشار في البيت الابيض: إن "القادة الثلاثة سيظهرون بوضوح وحدتهم في تصميمهم على الدفاع عن النفس في مواجهة عدوان من كوريا الشمالية".
لكن المفتاح الاساسي لملف كوريا الشمالية موجود في الصين التي صوتت على العقوبات ضد بيونغ يانغ لكن الولايات المتحدة ترى انها يمكن ان تعزز ضغوطها على حليفتها. وفي هذا الاطار سيلتقي اوباما على انفراد بالرئيس الصيني.
وقالت وزارة الخارجية الامريكية: إن اللقاء لن يخصص لكوريا الشمالية حصرا، بل سيتناول تصاعد التوتر بين الصين وجاراتها في آسيا والتبدل المناخي والاقتصاد العالمي.
القنبلة القذرة
قالت وسائل إعلام بلجيكية: إن اثنين من الانتحاريين الذين نفذوا هجمات بروكسل صورا سرا التحركات اليومية لرئيس برنامج الأبحاث والتطوير النووي في بلجيكا وفكرا في مهاجمة منشأة من المنشآت النووية في البلاد.
والخبراء الأمريكيون يقلقهم حصول المتطرفين على مكونات للسلاح النووي بدرجة أقل مما تقلقهم سرقات المكونات التي يمكن استخدامها في صنع قنبلة قذرة بتكنولوجيا بسيطة يمكن استخدامها مع متفجرات تقليدية لنشر المواد المشعة وبث الذعر.
وقال المسؤولون الأمريكيون: إنه ما من شك أن تنظيم داعش مهتم بالحصول على هذه المواد، لكن هولجيت قالت: إن السلطات الأمريكية ليست لديها "مؤشرات صريحة" على أنه حاول أن يفعل ذلك.
ومن المتوقع صدور مزيد من التعهدات في القمة من جانب قادة دول العالم بتعزيز الأمن النووي لكن الجماعات المناهضة للانتشار النووي تخشى أن يضعف الاهتمام ويتبدد ما تحقق من تحسينات إذا لم تتواصل الاجتماعات على أعلى المستويات فيما بعد. النفايات النووية
كذلك من المقرر ان يعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خلال القمة اتفاقا بين المملكة المتحدة والمجموعة الاوروبية للطاقة الذرية (يوراتوم) والولايات المتحدة لتبادل النفايات النووية لأغراض طبية.
وقال مصدر حكومي بريطاني: "سيعلن عن اتفاق تاريخي مع الولايات المتحدة ويوراتوم لتحويل النفايات النووية واستخدامها في معالجة السرطان". وينص هذا الاتفاق على ان تنقل بريطانيا 700 كلغ من اليورانيوم المخصب الى الولايات المتحدة لتخزينها هناك.
في المقابل سترسل الولايات المتحدة الى المجموعة الاوروبية للطاقة الذرية يورانيوم مخصب "بشكل مختلف لاستخدامه في المفاعلات الاوروبية القادرة على انتاج نظائر تستخدم بعد ذلك في تشخيص ومعالجة امراض مثل سرطان الغدة الدرقية"، كما قال المصدر نفسه. وأضاف: إن هذه الخطوة ستشكل "اكبر عملية نقل ليورانيوم مخصب تسجل في التاريخ".وقال: "إنها فرصة للمملكة المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا لإظهار كيف يمكن لدول ان تعمل معا لمعالجة النفايات النووية، لأننا نرغب في ان نرى مزيدا من الدول تتبنى حلولا مختلفة تتعلق بهذه النفايات. إنها فرصة لإظهار الاتجاه الصحيح لبقية العالم".وسيعلن كاميرون ايضا عن تدريبات مشتركة مع الولايات المتحدة في بريطانيا في اطار تعاونهما في مواجهة إمكانية وقوع هجمات إلكترونية ضد القطاع النووي المدني، كما قال المصدر نفسه الذي لم يوضح موعد هذه التدريبات.
وستطلق لندن ايضا مشروعا لمساعدة دول اخرى على "تعزيز قدراتها في مواجهة هجمات إلكترونية"، بينها اليابان وكوريا الجنوبية وتركيا والارجنتين.