في البداية سأسرد تجربة شخصية أعانيها جراء إقحامي اللغة العربية الفصحى في حواري العامي مع الجميع، فأسرتي تعودت على هذا الرتم الدائم في حديثي، أما محيطي الإعلامي والصحفي فطبيعة العمل في هذه المجالات يجعل من أي شخص في نموذجي شخصا مألوفا وقريبا جدا إلى المألوفية، لكن العالم الخارجي المحيط يرفض إقحام عبارات الفصحى الرشيقة الراقية في الحديث العامي، ويصبح الشخص أداة للسخرية من حين إلى حين؛ بسبب هذه المحاولات المتأنقة في محاولة الخطاب وإرسال الرسائل إلى الآخر، في المحيط الاجتماعي البسيط.
أستبعد أن أكون أنا المشكلة في هذا الموضوع برمته، وأوجه أصابعي تهمةً إلى جميع الذين نفضوا اللغة الأصيلة وتاريخها عن أكتافهم وعن ألسنتهم، وأصبحوا يتفاخرون بدخيل اللغات الأجنبية، وأصبحت العبارات مزيجا من الكلمات العربية والأوردو والفارسية والانجليزية والفرنسية وغيرها، المشكلة فيهم هم وليس فيمن يحاول إنعاش العربية التي تحتضر في زمننا هذا، وأصبحت تذكر فقط في الأيام العالمية للاحتفال (بذكراها) بكل تأكيد وليس بديمومتها وعطائها!.
في محاضرة حضرتها منذ فتره حاضر بها الأديب فاروق شوشة الأمين العام لمجمع اللغة العربية في القاهرة قال فيها: إنه قد آن الأوان لكي تتبنى المجامع اللغوية العربية الدعوة إلى جمع لغوي جديد، يكون بمثابة الجمع الثاني بعد أن قام الخليل بن أحمد الفراهيدي بمهمة الجمع اللغوي الأول، وهو يجاهد من أجل صنع معجم العين، المعجم الأول في تاريخ اللغة العربية، ومن مادة هذا المعجم الأول كانت المادة التي ظلت سارية ومستمرة في المعاجم العربية الكبرى على مدار العصور، فهذا الجمع اللغوي الجديد والثاني في تاريخ اللغة العربية هو الحلّ الأساسي والمهاد الطبيعي لصنع معجم لغوي عربي جديد، يتَّسع لكل ما تنفّس به خطاب اللغة العربية في الإعلام العربي، وسيرصد موقف المجامع اللغوية العربية منه بكل ما يتسع له هذا المعجم العصري الفريد من مواجهة لمشكلة المصطلح العربي والعمل على توحيده، ومشكلات تعريب اللغة العلمية واسْتنْباتها في متن اللغة العربية المعاصرة، على أن يكون العاملون في صناعة هذا المعجم المقترح قادرين على متابعة المتغيرات الاجتماعية والتطورات التي واجهتها المجتمعات العربية، وتأثير ذلك كله في التوسع المعجمي والاتساع للقرارات المجمعية بشأن النحْت والاشتقاق والقياس.
قارئي الكريم، علماء اللغة اليوم يتحدثون بآمال كبيرة لإحياء اللغة في كافة الميادين، بينما البعض من مجتمعنا يرفض بشدة الدخول الخجول لكلماتنا العريقة في الفصحى، ويعتبرونها مسلسلا مدبلجا، ومن هنا أدعو أفراد المجتمع إلى مزيد من الاهتمام بعربيتنا، وزرع الفخر بلسان ينطق بها، بالإضافة إلى ضرورة إيجاد مؤسسات راعية في الدولة تدعم اللغة القويمة، وذلك حرصًا على العربية الصحيحة، وضمانًا لتيسيرها وتطويرها وإغنائها بالجديد، عملاً على احترام الفصحى والالتزام بها في التعبير عن الموضوعات الحيوية في وسائل الإعلام وغيرها من الوسائل، والعمل على تطوير مناهج التربية والتعليم وتطوير العملية التعليمية، وأساليب تعليم اللسان الفصيح للقضاء على ظاهرة التلوّث اللغوي، والإسهام الجاد في تعريب العلوم، ونشر التعليم بالعربية في المدرسة والجامعة، وذلك تزامنا مع الاهتمام بتعلم اللغات الأجنبية والسعي الحثيث إلى اكتسابها.