أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الجمعة في اليوم الثاني من زيارته الى مصر الاتفاق على تشييد جسر بري فوق البحر الاحمر يربط بين البلدين لزيادة حجم التبادل التجاري بينهما، كما شهد توقيع 17 اتفاقا لإنشاء جامعة وتجمعات سكانية في شبه جزيرة سيناء ومحطة كهرباء في القاهرة، وهو ما يعطي دفعة قوية للاقتصاد المصري.
وقال محللون: إن حزمة الاتفاقيات والاستثمارات المعلن عنها تنفي ما يثار حول توتر العلاقات ما بين القاهرة والرياض، وإن تلك الزيارة ما هي إلا «امتداد لسياسة التقارب والإخاء بين البلدين».
ومنذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في يوليو 2013 قدمت المملكة مساعدات اقتصادية كبيرة لمصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش السابق، تضمنت مليارات الدولارات على شكل استثمارات وحوافز اقتصادية.
وقال الملك سلمان في تغريدة نشرت على حسابه الرسمي عبر موقع "تويتر" مساء الخميس: «لمصر في نفسي مكانة خاصة، ونحن في المملكة نعتز بها، وبعلاقتنا الإستراتيجية المهمة للعالمين العربي والإسلامي. حفظ الله مصر وشعبها».
وعقد السيسي وخادم الحرمين جلسة مباحثات موسعة الجمعة بحضور وفدي البلدين، اعقبها توقيع 17 اتفاقا بين مسؤولي البلدين.
جسر الملك سلمان
وفي مؤتمر صحافي بين الزعيمين في قصر الاتحادية الرئاسي في شرق القاهرة اعلن خادم الحرمين "اتفاق مصر والسعودية على تشييد جسر يربط بين البلدين".
وقال الملك سلمان: "هذه الخطوة التاريخية متمثلة في الربط البري بين القارتين الأفريقية والآسيوية تعد نقلة نوعية، إذ ترفع التبادل التجاري بين القارتين لمستويات غير مسبوقة وتدعم صادرات البلدين".
وتابع: إن الجسر "سيشكل منفذا دوليا للمشاريع الواعدة بين البلدين ومعبرا رئيسيا للمسافرين من حجاج وسياح بالإضافة الى فرص العمل التي سيوفرها لأبناء المنطقة".
بدوره، اقترح الرئيس السيسي اطلاق اسم العاهل السعودي على الجسر، وقال السيسي: "اسمح لي أن نطلق على هذا الجسر جسر الملك سلمان عبد العزيز"، ويهدف الجسر -الذي سبق وطرحت فكرته اكثر من مرة سابقا- الى تذليل عقبات الانتقال البري بين البلدين عبر المرور فوق البحر الاحمر، ما سيزيد من حجم التبادل التجاري والاقتصادي بينهما.
ولم تتوفر اي معلومات عن مكان تشييد الجسر بالتحديد على الفور.
ويتم النقل البري بين البلدين حاليا عن طريق الحافلات والسيارات عبر عبارات بحرية بين مينائي نويبع في سيناء وينبع في السعودية او حتى عبر المرور بالاردن. وهذا الامر كان يستغرق وقتا وجهودا كبيرة.
ويعمل مئات الآلاف من المصريين في السعودية، ويقصدها مئات الآلاف منهم لتأدية مناسك العمرة سنويا، وهم من اكثر الشعوب الاسلامية تأدية للعمرة، بحسب تقديرات رسمية.
وتقول الباحثة ايمان زهران في المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية في القاهرة لـ"اليوم": إن "الجسر يتميز ببعدين، أحدهما اقتصادي يتعلق بزيادة التبادل التجاري وتأمين حركة السياحة الدينية في مواسم الحج كل عام، إضافة لتوفير فرص عمل لآلاف من المصريين".
قلادة النيل للملك
وقلد الرئيس السيسي العاهل السعودي "قلادة النيل" أعلى وسام مصري؛ "توثيقا لعرى الصداقة وتوكيدا لروابط الوداد" حسب ما اعلنت الرئاسة المصرية أثناء المؤتمر.
وقال السيسي في كلمته: إن زيارة العاهل السعودي "تأتي توثيقاً لأواصر الأخوة والتكاتف القائمة بين بلدينا وتُرسي أساساً وطيداً للشراكة الاستراتيجية بين جناحيّ الأمة العربية مصر والسعودية".
وأضاف: إنها "تفتح المجال أمام انطلاقة حقيقية بما يعكس خصوصية العلاقات الثنائية خاصة في مجال العمل المشترك، وبما يسهم في مواجهة التحديات الإقليمية غير المسبوقة التي تواجهها الأمة العربية". كما ثمن الرئيس السيسي مواقف الملك سلمان تجاه مصر.
وقال السيسي: "الشعب المصري لم ينس يوماً مواقفكم النبيلة، وتطوعكم مع أشقائكم في القوات المُسلحة المصرية في التعبئة العامة لمواجهة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ودوركم في دعم المجهود الحربي إبان حرب الاستنزاف والتي تكللت بنصر أكتوبر المجيد".
وهو ما قال: إنها "مواقف تنم عن أصالة وشهامة عربية خالصة كانت وستظل دائماً محل إعزاز وتقدير من شعب مصر الوفي لشخصكم الكريم".
استثمار سعودي نادر في سيناء
أعقب ذلك توقيع عدد من الاتفاقات بحضور الزعيمين. وشملت الاتفاقات مشروع تشييد تجمعات سكنية ضمن برنامج تنمية شبه جزيرة سيناء وآخر للتنمية الزراعية في سيناء، وأيضا على إنشاء جامعة الملك سلمان في مدينة الطور في جنوب سيناء، وستمول السعودية إجمالا مشروعات بقيمة 1.5 مليار دولار في سيناء.
ويعتبر هذا استثمارا نادرا حاليا في شبه الجزيرة التي يتعرض شمالها لهجمات دامية ينفذها تنظيم داعش قتل فيها مئات الجنود والشرطة والمدنيين الابرياء.
وقالت وزير التعاون الدولي المصري سحر نصر في بيان: إن "جامعة الملك سلمان ستتكلف نحو 250 مليون دولار، وتهدف للارتقاء بالمستوى التعليمي للطلاب، ورفع التوعية والتعليم بسيناء، وإتاحة فرصة للالتحاق بتعليم جامعي في سيناء"، حيث لا توجد جامعات حكومية كافية.
كما أوضحت أن الاتفاقية الثانية تتعلق بإنشاء 9 تجمعات سكنية منها 8 تجمعات في شمال سيناء وتجمع واحد في جنوب سيناء، بقيمة 120 مليون دولار، على أراض بمساحة 1.620 كيلو مترا مربعا.
وهو مشروع يهدف إلى "تحويل بدو سيناء من تجمعات متفرقة إلى تجمعات سكنية، مما يوفر حياة سكنية كريمة لهم، وتوفير خدمات أساسية لهم من رعاية صحية وتعليم وخدمات اجتماعية".
وتقول الباحثة إيمان زهران في المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية في القاهرة لـ"اليوم": إن استثمار السعودية في سيناء يدل على اتساع مفهوم الأمن ما بين الدولتين ليشمل التنمية والآلية السكانية، في رسالة مفادها استكمال سيطرة الجيش المصرى على بؤر الإرهاب في سيناء والتوجه نحو الاستقرار وإعادة التعمير.
ووصفه إبراهيم الغيطاني رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية بالمركز نفسه بأنه "اختيار ذكي من السعودية".
وقال الغيطاني لـ"اليوم": إن "ذكاء الاختيار أنه ارتكز على مشروعات تستهدف المواطنين ولاسيما المناطق الحدودية والأقل تنموية مثل سيناء".
كما اتفق البلدان على إنشاء محطة كهرباء غرب القاهرة بقيمة 100 مليون دولار؛ لزيادة قدرة التوليد في منطقة القاهرة الكبرى، وإضافة وحدة توليد بخارية بقوة 650 ميجا وات.
كذلك تطوير مستشفى «القصر العيني» أحد اكبر المؤسسات العلاجية في مصر بقيمة 120 مليون دولار. كما اتفق البلدان على ترسيم الحدود البحرية بينهما دون إعلان مزيد من التفاصيل.
بالإضافة لاتفاق للتعاون في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، واتفاق للتعاون في مجال النقل البحري والموانئ، ومذكرة تفاهم في مجال الكهرباء والطاقة، ومذكرة تفاهم في مجال العمل، ومذكرة تفاهم في مجال الإسكان والتطوير العقاري.
مفاجأة السبت من الملك
وغرد السفير السعودي في القاهرة أحمد قطان على موقع "تويتر": إن الاتفاقات الاستثمارية "ستحمل أرقامها مفاجأة سارة للجميع".
ويعاني الاقتصادي المصري بشدة بسبب تراجع عائدات السياحة وانحسار الاستثمار الأجنبي منذ إطاحة الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك في شباط/فبراير 2011. وتراجع احتياطي العملات الأجنبية في البنك المركزي من 36 مليار دولار قبيل عزل مبارك إلى نحو 17 مليار دولار أمريكي الشهر الفائت. وقال المحلل الغيطاني: "أعتقد المفاجأة ستكون وديعة في البنك المركزي".
وتعهدت السعودية في ديسمبر الفائت بزيادة استثماراتها في مصر إلى أكثر من 8 مليارات دولار، فضلا عن المساهمة بتوفير حاجتها من النفط لخمس سنوات.
اهتمام وتكريم
وأولى الإعلام المصري الحكومي والخاص أهمية كبيرة لزيارة الملك سلمان. ورحب التلفزيون الرسمي بالعاهل السعودي في "بلده الثاني"، وبث تقارير عن عمق ومتانة العلاقات المصرية السعودية وزيارات الملوك السعوديين السابقين لمصر. كما جرى بث أغانٍ سعودية في مختلف القنوات المصرية الحكومية والخاصة. وتزين عدد من الشوارع بأعلام مصرية سعودية متعانقة.
ووصفت صحيفة "الأهرام" المملوكة للدولة في صفحتها الأولى الزيارة بأنها "نقلة إستراتيجية في العلاقات المصرية السعودية".
فيما وضعت صحيفة "الشروق" المستقلة صورا كبيرة للزعيمين المصري والسعودي في صفحتها الأولى، وعنونت قائلة: "مصر والسعودية روح واحدة".
وأفاد الإعلام المحلي أن الملك سلمان سيزور مقر البرلمان الأحد المقبل حيث من المتوقع أن يلقي خطابا.
كما أعلنت جامعة القاهرة منح الملك الدكتوراة الفخرية. وقال رئيس الجامعة جابر جاد نصار في بيان: إن القرار جاء "لمساندته لمصر وشعبها ودوره البارز في دعم جامعة القاهرة".
سياسة إقليمية متقاربة
وتتبنى القاهرة والرياض مواقف متقاربة عموما من الملفات والنزاعات الإقليمية، تشارك مصر في التحالف العربي الذي تقوده الرياض ضد المتمردين الحوثيين منذ تأسيسه في مارس 2015 بقوات جوية وبحرية. ويقول الغيطاني: إن الزيارة وقتها ملح للغاية في ظل أحاديث عن خلافات حول إدارة الملف السوري واليمني بين مصر والسعودية. فبالتالي تأكد الحفاظ على علاقات طيبة بين مصر والسعودية، فيما قالت زهران: إن توقيت الزيارة يعمل على دحض الافتراءات والشائعات المطروحة حول توتر العلاقات ما بين كل من القاهرة والرياض، وإن تلك الزيارة ما هي إلا امتداد لسياسة التقارب والإخاء بين البلدين.