بأكثر من 20 جولة خارجية في اقل من عامين على توليه سدة حكم مصر، بدا ان ملامح السياسة الخارجية لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي هي الاتجاه شرقا نحو عمالقة اقتصاد اسيا مع وضع «الاقتصاد والتنمية والسلاح» كأولوية لمصر التي تشهد مرحلة اعادة بناء لتحالفاتها السياسية وتوسيع دائرة علاقاتها الخارجية كما يرى مراقبون.
ومنذ توليه حكم مصر في يونيو 2014، اظهر السيسي نشاطا ملحوظا في ملف الزيارات الخارجية حيث زار اكثر من 20 بلدا في زيارات رسمية لدول متنوعة وصفها محللون بانها ناجحة.
جولات شرقا وغربا، شمالاً إلى أوروبا وجنوبا في أفريقيا، زيارات رسمية ومشاركات في أحداث وقمم عالمية ودولية، بدأها السيسي بزيارة إلى دولة الجزائر بعد أيام قليلة من وصوله إلى سدة الحكم، انتهاء باخر زياراته إلى المملكة العربية السعودية لحضور مناورة «رعد الشمال».
وكرر السيسي زياراته الرسمية إلى دول بعينها أكثر من مرة فيما بدا أنها إشارة على التقارب مع تلك الدول والتي كان أبرزها السعودية وروسيا والصين.
توسيع وتنويع
ويرى السفير أمين شلبي المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية، أن الهدف الأساسي لجولات السيسي الخارجية فور وصوله سدة الحكم كان «توسيع علاقات مصر الدولية بعد تعرضها لحملة انتقادات واسعة بعد 3 يوليو 2013».
وكان الاتحاد الإفريقي قد قرر تعليق عضوية مصر بعد بيان عزل الجيش للرئيس الأسبق محمد مرسي في 3 يوليو 2013، وذلك بعد خروج مظاهرات مليونية حاشدة طالبت بعزله بعد عام واحد في الحكم شهد اضطرابات واستقطابا سياسيا وتراجعا اقتصاديا وحمية اجتماعية عنيفة.
وكانت أولى ثمار انتخاب السيسي رئيسا، إعلان الاتحاد الافريقي إنهاء تعليق عضوية مصر، وهو ما تبعه مشاركة مصر بالقمة الافريقية الـ 23 التى عقدت فى مالابو عاصمة غينيا الاستوائية في 26 يونيو 2014، بوفدٍ رأسه الرئيس السيسى نفسه.
وقال السيسي في كلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر إن شعب مصر رغم أنه قد تألم عندما توقفت ممارسة لأنشطتها في الاتحاد الافريقي، إلا أن مصر لم تتوقف مطلقا عن انشغالها بهموم ومصالح قارتها الافريقية فمصر لا يمكن أن تنفصل عن وجودها وواقعها الافريقي قائلا: «أثق أن القادة الافارقة باتوا يدركون أن 30 يونيو كانت ثورة شعبية مكتملة الاركان».
ويقول رئيس الوحدة الاقتصادية بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية إبراهيم الغيطاني، إنه «لا يمكن أن نعتبر الجولات الخارجية للرئيس السيسي متجهة نحو ما يسمى بالمعسكر الشرقي، فالسيسي زار ألمانيا وإيطاليا بالإضافة إلى القوى الجديدة مثل روسيا والصين وكازخستان واليابان وكوريا والهند، وإجمالا الجولات كانت متنوعة.»
وعزا الغيطاني في تصريحات لـ«اليوم» أسباب لجوء السيسي إلى الدول الشرقية (روسيا والصين)، إلى ما وصفه بـ«فتور العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا جعل السيسي يذهب إلى الصين وروسيا».
البداية بالجزائر
الجزائر كانت أولى محطات السيسي الخارجية وكانت في يوم 25 يونيو 2014 بعد أيام معدودة من حفل تنصيبه رئيسا للبلاد بعدما فاز باكتساح في الانتخابات الرئاسية على منافسه زعيم التيار الشعبي حمدين صباحي، وقال بيان رئاسة الجمهورية وقتها إن الزيارة «تلبية لدعوة من نظيره الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، وكان الهدف من زيارة الرئيس السيسي للجزائر هو إطلاق تفاهم حقيقي ورؤية موحدة للمصالح المشتركة بين مصر والجزائر في المنطقة».
وتشترك كل من مصر والجزائر في أنهما لديهما حدود مشتركة مع ليبيا التي تعاني صراعًا بين حكومتين وبرلمانين وجيشين، فضلا عن سيطرة تنظيم داعش وغيره من الجماعات والتنظيمات المتطرفة على مساحات كبيرة في الأراضي الليبية التي يتخذون منها قاعدة للانطلاق لتنفيذ عمليات إرهابية في مصر والجزائر وتونس.
نجاح اقتصادي
ونجح السيسي بفضل حفاظه على علاقات جيدة باشقاء مصر في الخليج في تأمين دعم اقتصادي كبير لمواجهة تراجع الاستثمار الاجنبي وعائدات السياحة في السنوات الاخيرة.
وخلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لمصر في ابريل الجاري وقع مسؤولو البلدين «اتفاقا لانشاء صندوق سعودي مصري للاستثمار براس مال 60 مليار ريال (16 مليار دولار).
كما جرى توقيع عدد كبير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين في مجالات الاسكان والزراعة وتطوير الطرق وتشييد محطات الكهرباء. كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم لاقامة منطقة اقتصادية حرة في شبه جزيرة سيناء. كما اعلنت السعودية تمويل مشاريع بقيمة اجمالية قدرها 1,5 مليار دولار في سيناء.
إجمالًا رأى الغيطاني أن جولات السيسي الخارجية كانت ناجحة للغاية من الناحية الاقتصادية، إلا أنه قال أن هذا النجاح مرهون بعدة عوامل أبرزها تنفيذ مذكرات التفاهم وإزالة عوائق الاستثمار في مصر، وأبرزها سعر صرف الدولار وغموض التشريعات التي تعيق قدوم المستثمرين، ضاربا المثل بالمستثمرين الصينيين الذين اشتكوا من تذبذب التشريعات الضريبية.
أوروبا والسلاح
أما في أوروبا فيقول السفير شلبي في تصريحاته لـ «اليوم»، إن دولا أوروبية وأمريكا شنوا حملة ممنهجة على النظام المصري بعد 3 يوليو، مضيفا إن بعض الدول الأوروبية أوقفت بيع وتصدير قطع وأسلحة يحتاجها الأمن المصري لدعم قوته في مواجهة الإرهاب.
وكانت أولى جولات السيسي إلى أوروبا في نوفمبر 2014 زار خلالها كل من فرنسا وإيطاليا كما التقى ببابا الفاتيكان.
ووقعت مصر عقدا في فبراير 2015 تبلغ قيمته 5,2 مليار يورو لشراء 24 طائرة مقاتلة من نوع رافال التي تعتبر مفخرة سلاح الجو الفرنسي، ويتضمن كذلك تسليم فرقاطة متعددة المهام وصواريخ من مجموعة «دي سي ان اس» البحرية.
وتسلمت مصر الفرقاطة والطائرات الثلاث الاولى في يوليو 2015. قبل ان تتسلم ثلاثة طائرات رافال اخرى في 28 يناير الفائت.
وفي اكتوبر 2015، اتفقت مصر على شراء سفينتين حربيتين من طراز ميسترال من مجموعة «دي سي ان اس» بعد شهرين من تراجع فرنسا عن بيع السفينتين لروسيا بسبب العقوبات المفروضة عليها جراء النزاع في اوكرانيا.
وهو ما عده محللون عسكريون نقلة نوعية في سلاح البحرية المصرية.
إلى جانب السلاح، نجح السيسي في جذب الاستثمارات التي تركزت حول الطاقة خاصة من اليابان وألمانيا وهو الأكثر نجاحا في هذا المجال – بحسب إبراهيم الغيطاني.
المعسكر الشرقي
ويقول السفير أمين شلبي ان مصر ابحرت نحو روسيا التي اعلنت دعم نظام ما بعد ٣ يوليو، وعلى هذا الاساس توالت الزيارات على المستوى الوزاري والرئاسي خاصة بعد انتخاب السيسي.
السيسي زار روسيا 4 مرات، منها 3 مرات بعد توليه السلطة، في المقابل جاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القاهرة في زيارة رسمية، انتهت بتوقيع اتفاقات اقتصادية وخاصة في مجالي التنمية والطاقة وأيضا اتفاقات عسكرية.
ويعتقد السفير شلبي أن «نتيجة العقوبات ومحاولة العزل التي بذلتها أمريكا وأوروبا بحق روسيا، لجأت موسكو للبحث عن بدائل وكانت بحاجة إلى بناء علاقات مع دول كبرى مثل الصين والهند وأيضا قوى إقليمية كبرى مثل مصر لذلك كانت العلاقة مع مصر علاقات منفعة متبادلة ضد التحالف الأوروبي الأمريكي تجاه الدولتين».
ويرى الغيطاني أن «فتور العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا جعل السيسي يذهب إلى الصين وروسيا وهما من الدول الكبرى إلى جانب أن روسيا شريك اقتصادي قديم مع مصر ويتمتع بكثير من الثقة».
ولعقود ظلت مصر حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة في الشرق الاوسط خصوصا انها تحصل منها على 1.5 مليار دولار في شكل مساعدات عسكرية كل عام منذ توقيع اتفاقية السلام مع اسرائيل في العام 1979.
التنين الصيني
المحطة الشرقية الثانية في جولات السيسي الخارجية كانت إلى الصين التي زارها مرتين فضلا عن زيارة رسمية للرئيس الصيني إلى القاهرة، والبداية كانت في ديسمبر 2014، والتي علقت عليها رئاسة الجهورية في بيانها قائلة «كان قرار الرئيس بزيارة الصين على رأس وفد يحمل خريطة الاستثمار (لتلبية) احتياجات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كافة المجالات لا سيما المجالات الخدمية منها والتي تستهدف فضلاً عن تجاوز التراجع فيها، الحداثة عبر استيراد أحدث المنتجات التكنولوجية التي بإمكانها أن تحدث طفرة في حياة المواطن المصري».
زيارة السيسي الثانية للصين كانت في اغسطس 2015 ضمن جولة آسيوية إلى سنغافورة، والصين، وإندونيسيا، وشهدت توقيع عدد من الاتفاقيات، أهمها الاتفاق الاطاري الذي تم توقيعه مع الرئيس الصيني بالأحرف الأولي في القاهرة في فبراير الماضي، الخاص بتنفيذ 14 مشروعا باستثمارات تزيد على 10 مليارات دولار، وهي مشروعات ذات أولوية للجانب المصري، وتشمل قطاعات الكهرباء والنقل والصرف الصحي.
وشهدت زيارة السيسي لبكين أيضا التوقيع علي عدد من الاتفاقيات، أبرزها بين بنكي التنمية الصيني والأهلي المصري لتقديم قرض بقيمة 100 مليون دولار، لتمويل المشروعات الصغيرة، واتفاق لتقديم منحة بقيمة 30 مليون دولار لهيئة الاستشعار عن بُعد، لإقامة مركز تجميع واختبار الأقمار الصناعية، بالإضافة إلي اتفاق بدء تنفيذ مشروع إنشاء خط مترو القاهرة ـ العاشر من رمضان، ثم مدينة بلبيس.
كذلك توقيع عقدي مشروعي رفع كفاءة شبكة الكهرباء، لتستوعب الزيادة الكبيرة في الطاقات الإنتاجية التي تمت إضافتها والمنتظر إضافتها وإنشاء محطة كهرباء عتاقة بالسويس. والزيارة استهدفت كذلك توقيع عدد من الاتفاقيات بين القطاع الخاص في البلدين لزيادة الاستثمارات الصينية المباشرة في مصر، وتشمل ضخ 300 مليون دولار لتنفيذ المرحلة الثانية لمشروع إنتاج الفايبر جلاس بالعين السخنة، وإقامة مصنع لإنتاج الزجاج المسطح بطاقة 500 طن يوميا، بالإضافة إلي ضخ استثمارات صينية بقطاع المنتجات الجلدية بمنطقة الروبيكي.
ويقول السفير شلبي إن «الإطار العام للزيارات سياسي وبناء علاقات مع الدول الكبرى ولكن بفحص مضمون الزيارات نجد عاملين هما الاقتصاد والسلاح وهو ما نتج عنه العديد من العلاقات الاقتصادية والتنمية والطاقة والكهرباء ولا نغفل أيضا البعد العسكري».
السعودية الأكثر زيارة
7 زيارات قام بها السيسي إلى المملكة العربية السعودية منذ انتخابه رئيسا، لتكون بذلك الدولة الأكثر زيارة من قِبل الرئيس المصري، التقى خلالها بالملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز - يرحمه الله - وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وقادة المملكة، بدأت في أغسطس 2014 وتضمنت اجراء مباحثات حول التطورات السياسية الإقليمية وتحديات الأمن القومى العربي.- بحسب بيان الرئاسة المصرية حينها - كما أدى السيسي شعائر العمرة قبل سفره إلى روسيا صباح اليوم التالي.
وكانت آخر زيارات الرئيس المصري إلى المملكة في مارس الفائت، حيث شهد المناورة العسكرية الأكبر في تاريخ المنطقة «رعد الشمال 2016»، بقيادة المملكة ومشاركة 20 دولة عربية وإسلامية وصديقة، إضافة إلى قوات درع الجزيرة، كما التقى بالملك سلمان وعدد من قادة الدول المشاركة في المناورة.
وفي ابريل الجاري، استقبلت مصر بحفاوة بالغة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في زيارة امتدت خمسة ايام وشملت التوقيع على اتفاقيات استثمارية سعودية بمليارات الدولارات دعما للافتصاد المصري المتداعي منذ نحو خمس سنوات.
وتتبنى القاهرة والرياض مواقف متقاربة عموما من الملفات والنزاعات الاقليمية.
وتشارك مصر بقوات جوية وبحرية في التحالف العربي بقيادة الرياض الذي يتصدى للمتمردين الحوثيين في اليمن، منذ اعلانه في مارس 2015.
وتقول المحللة بالمركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية ايمان زهران ان «الزيارة تؤكد استمرار الدعم السعودي للسيسي.. والزيارة ليست سوى امتداد لسياسة التقارب بين البلدين».
استقبال زعماء العالم
واتصالا بزياراته الخارجية، قام السيسي باستقبال عدد من ابرز زعماء العالم في القاهرة في رسالة واضحة للدعم العالمي للقاهرة في مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها من ارهاب وازمة اقتصادية.
وزار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القاهرة في فبراير 2015، كما قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة مصر في يناير 2016 كما كانت زيارة الملك سلمان للقاهرة والتي استمرت لخمسة ايام كاملة علامة بارزة في زيارات زعماء العالم الاخيرة لمصر.
ومن المقرر ان يزور الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مصر خلال الاسبوع الجاري.
إجمالا يمكن القول ان السيسي تمكن من توسيع دائرة العلاقات المصرية عبر زيارات شملت ابرز الدول متمكنا من احياء علاقات تاريخية مع روسيا والصين وترسيخ علاقات حيوية مع الشركاء الاوروبيين دون التأثير على العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
واستفادت مصر جليا من هذا النشاط بتنويع مصادر السلاح المصري بشكل واسع للمرة الاولى منذ نهاية سبعينيات القرن الفائت بعد ما كان السلاح الامريكي هو اساس التسليح المصري.
الرئيس الروسي يستقبل السيسي في موسكو