للتحذير من المطبات، عادة ما توضع لوحة مكتوب عليها «انتبه.. أمامك مطبات». هذا في حال وجود مثل تلك اللوحة، أما عبارة «انتبه.. وراءك مطبات» فكانت موضوع كاريكاتير قديم ينتقد فيه رسام الكاريكاتير وجود بعض اللوحات الإرشادية في غير مكانها الصحيح، أو ينتقد عدم وجودها على الإطلاق.
وفي حين يوصي المثل الإنجليزي بالتفكُّر جيدا قبل الإقدام على أمر ما فيقول: «انظر قبل أن تثب» look before you leap تقترح علينا اللوحة الإرشادية أن ننتبه بعد أن نقع في كمين المطبات، فيكون الانتباه عديم الجدوى، شأنه شأن الحكمة التي تأتي متأخرة، أي بعد أن «يقع الفاس على الراس» كما يعبر المثل الشعبي.
هذا التحذير السريالي يمكن أن يعبر عن كثير من المضحكات في حياتنا اليومية، لذلك فإن المطبات التي سأتناولها هنا مختلفة. وسواء أكانت المطبات طبيعية أم مصطنعة فهي أهون بكثير من المطبات الاجتماعية والثقافية، لأن سفلتة الطرق أسهل من «سفلتة» الطباع، أو تقويم ما اعوج من الممارسات اليومية الخاطئة.
وعلى الصعيد الإداري، قد تكون المطبات هي تلك الآثار الجانبية السلبية لقرار من القرارات الإدارية التي لم تخطر على بال صانع القرار. الارتجال عين لا ترى إلا اللحظة الحاضرة، في حين أن التخطيط السليم عين على المستقبل. ولكي يكون التخطيط فعالا، فإن المخطِّط الجيد هو من يمتلك القدرة على النظر للأمور من مختلف الزوايا لتكوين رؤية واضحة وغير مشوشة، واضعاً في الحسبان مرونة الخطط للتغلب على ما قد يظهر من آثار جانبية سلبية، أو مصاعب لم تكن متوقعة عند وضعها موضع التنفيذ.
«وراءك مطبات» تعني أننا لا بد أن نقع في المطب لكي ننتبه إلى وجوده. فإذا كان المطب إداريا فإننا غالبا ما نتراجع عنه، أو نعلقه إلى حين فيبقى الحال على ما هو عليه. الأمثلة على ذلك كثيرة. ويمكن لكل من له تجربة في العمل الإداري أن ينعش ذاكرته قليلا فيجد أمثلة حية على بعض القرارات المرتجلة.
وبالرغم من تلك المطبات التي تصادفنا هنا أو هناك، وأيا كانت طبيعتها، فإنه يتم التعامل مع المطبات اللاحقة بذاكرة مثقوبة، دون الاستفادة من الأخطاء السابقة. لذلك يعيد التاريخ نفسه.
لماذا تفوقت بعض البلدان على غيرها؟ ولماذا تمكن بعضها وبالرغم من قلة الموارد المادية، أن يكون مضرب المثل في حسن التخطيط؟ لو اتخذتَ الجانب المعماري مثالا واحداً من أمثلة كثيرة، فسوف يتضح لك كيف تميزت بعض المدن بأناقة المكان، وجمال العمارة، واتساع الساحات، ونظافة الطرقات، وتكامل الخدمات، وقلة العشوائيات، وسترى أن التميز ليس وليد الارتجال والمصادفة، فهو دائما «نتيجة التزام بالتميز، وتخطيط متقن، وجهود مركزة». كما يقول بول جي ماير المعروف باهتماماته في مسائل التطوير الذاتي والتميز المهني.
قد يقول قائل: لا توجد مؤسسة في الشرق أو الغرب دون خطط واستراتيجيات وفي كل مؤسسة إدارة للتخطيط. وهنالك خطط خمسية وأخرى عشرية، وهنا ينبغي التمييز بين الخطط وحسن التخطيط؛ ذلك أن الفشل في التخطيط تخطيط للفشل، كما يقال.
وعودة إلى كاريكاتير «انتبه.. وراءك مطبات» فإن مهمة الكاريكاتير الساخر هو تضخيم الخلل لتسليط الضوء عليه، وحشد الانتباه إليه، لذلك فإن تلك اللوحة الإرشادية لم تكن موجودة إلا في خيال رسام الكاريكاتير، وهي مجرد اقتراح بوضع الأشياء في المكان والوقت المناسبين.