الناس يميلون للخوف من العناكب والثعابين أكثر من خوفهم من المآخذ الكهربائية أو الألعاب النارية، على الرغم من أن هذه الأخيرة تشكل خطراً أكبر بكثير. هذا قد يساعد في تفسير السبب في أن البشر يعانون صعوبة كبيرة في رؤية خطر التغير المناخي.
يقول علماء النفس التطوري: إن جزءا كبيرا من السلوك البشري لا يمكن فهمه إلا من خلال دراسة أجدادنا القدامى. خلال 99 في المائة من التاريخ البشري، كانوا يعيشون في مجموعات صغيرة من الصيادين، وحيث الدماغ كان يتطور للتعامل مع مهام محددة، مثل الإدراك السريع للزواحف السامة أو المشاعر والنيات التي تشي بها تعابير الوجه. هذا النوع من التفكير العقلاني اللازم لوزن النتائج الجيدة في المستقبل البعيد تطور فقط في الآونة الأخيرة، في فترة الواحد بالمائة الأخيرة من وجودنا.
الآن، التغير المناخي يقدم للبشر أقصى مهمة للتفكير على المدى البعيد. شهد فبراير الماضي رقما قياسيا لأعلى متوسط درجات الحرارة السطحية على الصعيد العالمي - درجة حرارة مذهلة تصل إلى 1.35 درجة مئوية أعلى من متوسط درجات الحرارة بين عامي 1951 و1980. وتشير دراسة حديثة إلى أن ذوبان الصفائح الجليدية في القطب الجنوبي وغرينلاند يمكن أن يرفع بشكل معقول منسوب مياه البحر عدة أمتار بحلول نهاية هذا القرن. لكن على الرغم من مجموعة الأدلة المتزايدة على أن ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون سوف يؤدي إلى ارتفاع كارثي في درجة حرارة هذا الكوكب، نواصل إنتاجه أكثر من أي وقت مضى - كما لو أننا لا نستطيع أن نصدق ما نراه. في ورقة بحثية أخيرة، يشير أستاذ علم النفس في جامعة ستانفورد لي روس وفريق من علماء النفس والخبراء الاقتصاديين وعلماء الأحياء الآخرين إلى أن المشكلة تكمن في الطريقة التي تنظم بها عقولنا هذه المسألة. طبيعة التغير المناخي، كما يقولون، تجعل من المستحيل تقريبا بالنسبة لنا ممارسة «الذكاء الاستبصاري» - لتشخيص المشكلة مسبقا، ومن ثم اتخاذ الإجراءات المقررة للتصدي لها. التهديد الذي يظهر فقط تدريجيا، مع عواقب قادمة في المستقبل فقط، لا تثير لدينا الدوائر العقلية القديمة التي كنا نستخدمها عند الحاجة الملحة للقضاء على عنكبوت أو إرهابيين على شاشة التلفزيون. إنها تكمن في المنطقة العقلية العمياء.
فماذا بوسعنا أن نفعل؟ روس وزملاؤه يقترحون إيجاد طرق للالتفاف على قيود أدمغتنا: «وبدلا من ذلك الاستفادة من قوتها. استهداف الغرائز الاجتماعية، على سبيل المثال، يمكن أن يكون فعالا. تشير الدراسات إلى أن المناشدات حول المصلحة الذاتية (توفير المال) لا تنجح تقريبا مثل نجاح المعايير الاجتماعية في تشجيع الناس على استخدام كميات أقل من الطاقة - الناس تحافظ أكثر إذا كانت تعتقد أن الآخرين من حولهم يفعلون ذلك بالفعل. ونتيجة لذلك، يمكن أن تكون الحملات الإعلامية أكثر فعالية بكثير في تغيير السلوك من السياسات التي تستهدف العقل الحسابي من خلال الحوافز النقدية.
وثمة نهج آخر هو تأطير الخيارات بشكل مختلف. في الدول الأوروبية، يقبل الجميع تقريبا التبرع بأعضائهم للاستخدامات الطبية في حال وقوع حادث سيارة مميت. في الولايات المتحدة، الرقم هو 15 بالمائة فقط، على الرغم من أن الدراسات تظهر مواقف مماثلة على نطاق واسع بخصوص التبرع على جانبي المحيط الأطلسي. لماذا هذا الفرق؟ الأصل هو أن الأوروبيين يشاركون في هذا البرنامج بشكل آلي - وبالتالي يجب أن يختاروا الانسحاب منه إذا كانوا لا يرغبون في التبرع. في الولايات المتحدة، على الناس أن يختاروا الاشتراك في برنامج التبرع عن طريق التوقيع على الجزء الخلفي من رخص القيادة الخاصةبهم. وهذا يشير إلى أن جعل المزيد من الناس يوفرون الطاقة يمكن أن يكون سهلا كما هو حال تغيير الوضع الافتراضي للأفران ومكيفات الهواء.
الأوضاع الافتراضية لا تستفيد فقط من الكسل أو الجمود البشري. بل إنها بالأحرى تؤكد على القيمة المجتمعية وتشجع الناس على اتباعها. ويمكن لهذه الخطوات الصغيرة أن تعزز بعضها البعض، وتسهل التحركات التي لديها القدرة على إحداث تغيير كبير ومفاجئ، حتى لو كانت تزداد نشاطا ببطء. لنفكر كيف تغيرت المواقف تجاه التدخين في العقود الأخيرة.
نقطة أخيرة: روس وشركاؤه في الدراسة يشيرون إلى أن «المهمة الصعبة للغاية ولكنها ربما تكون الأكثر أهمية» هي الابتعاد عن الرؤية الاقتصادية للنمو الذي لا نهاية له، لأن الإنتاج الآخذ في الاتساع للأشياء المادية الجديدة يسبب إجهادا يفوق قدرة الكوكب على التحمل. سوف يعتبر معظم الاقتصاديين أن هذا هو اقتراح جذري، إلا أن الكاتب الثاني للورقة البحثية، كينيث أرو، الخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل، هو قريب للغاية من وجهات نظر التيار العام في الاقتصاد.
ربما التحول في التفكير الذي نحتاجه أخذ يتحقق بالفعل.