DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

كلمات في أروقة المسؤولية

كلمات في أروقة المسؤولية

كلمات في أروقة المسؤولية
من أروع طرائف تاريخنا الإسلامي حكاية عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي كان جالسا في رهط فيهم الأحنف بن قيس فقال عمر للأحنف «من كثر كلامه كثر سخطه ومن كثر سخطه قـّل ورعه ومن قــّل ورعه قــّل حياؤه ومن قــّل حياؤه مات قلبه»، ومن يتأمل وصية عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- حين قال «والله الذي لا إله غيره ما أحق بطول سجن من لسان» ليدرك العاقل حينها أن الكلمة إما أن تكون صدقة وبرا، وإما أن تكون رصاصة وقتلا، وما انتشار لغة التصريحات السياسية خاصة ببعيد عن البعد الخطير لما تخلفه هذه التصريحات من فوضى ضحيتها الشعوب التي تباد في سوريا والعراق الآن، فكم من التصريحات الطائشة والمندفعة والخطابات المرتجلة والحماسية أضرت ولم تنفع، وقتلت ولم تدفع، وخفضت ولم ترفع، والمتابع للسجالات السياسية اليوم كذلك في ظل الانتخابات الأمريكية يدرك ذلك، وفي المقابل فالمشهد الخطابي المليء بكلمات في مهب الفوضى والتأزم السياسي بين قوى الأحزاب العراقية اليوم يكشف ما لتصريحاتهم من تأجيج الصراع والطائفية بدل تهدئته، والتفكير الجاد والمسؤول لأثر كلمات تخرج لتخرج معها شظايا النار والدمار، من هنا تكون الكلمات والتصريحات في أروقة المسؤولية وطرق السياسة من أخطر الكلمات. وفي المشهد الاجتماعي كذلك كثير هم الذين تعرف وأعرف ممن ربح دنياه بكلمة أو خسر دنياه بكلمة أو ارتفع عند الآخرين بكلمة أو سقط من أعينهم بكلمة فما أعظم مسؤولية اللسان! لذا فاللسان هو المقياس لقياس الناس قديما وحديثا لذا قال زهير بن أبي سلمى: لسان الفتى نصف ونصف فـؤاده فلم يبق إلى صورة اللحـم و الدم وكائن ترى من صامت لك معجب زيادتـه أو نقـصـه فـي التكلـم فمسؤولية الكلمة ومكانتها تظهر في وصية الإسلام بحفظ اللسان، فالإنسان يدخل الإسلام بكلمة حين يقول أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويخرج من الإسلام بكلمة حين يسب الله تعالى أو يسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو يستهزئ بالدين وأهله، ويدخل الجنة بكلمة ويخرج منها بكلمة، وهذا أتى صريحا في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- حينما سأله عقبة بن عامر -رضي الله عنه- عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال:«تقوى الله وحسن الخلق» وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال «الأجوفان الفم والفرج»، وينسى الإنسان أن صلاح الجوارح يدور على صلاح اللسان، لذا جاء في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال:«إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا» ذاك لأن اللسان مغرفة لما في القلب، وكم كشفت وسائل التواصل الاجتماعي كم في قلوب أصحاب الكلمات والحروف من توجهات وأفكار، لذا تعجب معاذ بن جبل فقال يا رسول الله أو إنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكـّب الناس في النار على وجوههم إلى حصائد ألسنتهم، فالكلام لا يطير في الهواء كما تقول العامة ولكن اللسان عليه حارسان ينتظران ما يخرج منه، وقد صدق الله: «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد» و ( من ) هنا نكرة أي قول ينطق به اللسان من خير يثاب عليه ويرفع به درجات أو شر يجزى عليه وينزل به دركات. فكم من أسر تفككت بسبب كلمة، وكم من الأموال أكلت بسبب كلمة، وكم من الحقوق ضاعت بسبب كلمة، وكم من المسائل والنصوص زوقت وغيرت بسبب كلمة وهيهات هيهات أن تنسى كلها عن الله وكما قيل قديما «وجـــرح اللسان كجرح اليد» ولربما كان أعظم من ذلك، ولقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام عن شأن ذلك فقال:«إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يظن أن تبلغ ما بلغت يرفعه الله بها درجات وإن الرجل يتكلم الكلمة من سخط الله لا يظن أن تبلغ ما بلغت يهوي بها في النار سبعين خريفا» فهل من إدارة مسؤولة وذاتية وعاقلة تجعلنا نفكر قبل أن نتكلم ونعبر؟؟