DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

صادق خان هو أنموذج يُحتذى للمهاجر

صادق خان.. حكاية مُهاجر

صادق خان هو أنموذج يُحتذى للمهاجر
صادق خان هو أنموذج يُحتذى للمهاجر
أخبار متعلقة
 
مهاجر حاك من «الهامش» سيرته إلى «المجد»، لكنه- قبل هذا- فصل قصير من صيرورة لم تنقطع مذ وطأ آدم «عليه السلام» أرض البسيطة، وراح باحثاً فيها- وفق الروايات- عن سكينة، ظنها تنبعث مجدداً بلقائه حواء «عليها السلام»، ولعله بهذا خط سيرة «المهاجر الأول»، الذي يعود إليه فضل «الحضارة الإنسانية» التي نعرف. هي «حكاية مُهاجر»، أول خيوطها «حلم» عالق برسم الانتظار، و«سَعَة» مفقودة في ضيق مطبق، أما جوهرها فـ «وطن» تاهت فيه «العدالة»، وقضت القيم بين جنباته نحبها؛ هي «حكاية أمل» بـ «مكان» على هذه «البسيطة»، تبدأ بـ «نعم» كـ «إجابة مفترضة» على قوله جل وعلا: «ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها». صادق أمان الله خان، عمدة لندن الجديد، بريطاني من أصل باكستاني، ولد في 8 أكتوبر 1970 لأبوين مهاجرين، غادرا من توّهما وطنهما باكستان إلى بريطانيا، وفي رواية أخرى غادرا وطنهما الأصلي الهند إلى الباكستان ومنها قررا الهجرة إلى بريطانيا، ليحل خامساً بين 7 أشقاء وبنت. عائلة خان، التي تدين بالإسلام، تنتسب إلى الطبقة العاملة، أو الكادحة، التي تكد لقوت يومها، فالوالد «أمان الله» هو سائق حافلة، أما أمه سهرون خان فتمتهن حياكة الملابس، وهما المهنتان اللتان أنفقتا على الابن. فيما لا يعرف عن الأبوين انتسابهما إلى أي مدارس أو دور تعليم، انتسب الابن صادق، أو «صديق» وفق المنطوق الباكستاني للاسم، إلى عدة مدارس ابتدائية وإعدادية، وصولاً إلى مدرسة «إيرنست بيفن كوليدج» الثانوية، التي اشتهرت بـ «سوء سلوك طلابها»، الذين كانوا جميعاً من الذكور، بينما لم يتضح ما إذا كانت هذه المدرسة تحظر الاختلاط أم لا. لا يحمل صادق خان مشاعر إيجابية لحياته المبكرة، رغم أنه يحن إليها، إذ يبدو أنها كانت صعبة، خاصة في ظل تدني دخل الأسرة، الذي أجبره على العمل في «مهن صعبة»، كـ «عامل بناء» و«عتّال» و«بائع صحف»، خلال العطلات الأسبوعية والصيفية؛ وكذلك الأمر بالنسبة لحياته الدراسية، التي يصف المرحلة الثانوية منها بـ «القاسية»، فهو ما اضطره للانجذاب إلى هواية «الملاكمة»، التي رآها الشاب اليافع وسيلة لتمكينه من «الدفاع عن نفسه» حين يتعرض لخطب ما في الطريق!. يقول صادق خان «العائلة كانت محاصرة على الدوام، ما استدعى التدرب على الملاكمة لنمنح أنفسنا، أنا وإخوتي، الثقة لمواجهة ما يجري في الشارع»، وهذا ما قاد العائلة لاحتراف اثنين من أفرادها الملاكمة بقية حياتهما. وأوردت صحيفة «ميل أون صنداي» (Mail On Sunday) البريطانية، في قراءتها لسيرة صادق خان، أن قيود العنصرية والتمييز، التي سادت سنوات السبعينيات والثمانينيات، من القرن المنقضي، ألقت بظلالها على حياة الرجل، فـ «العنصرية المضادة كانت سمة حياة أسرته»، إذ طالما أثارت لحية والده «أمان الله» السخرية منه، فيما شبهه ركاب الحافلة، التي يعمل عليها، بـ «سانتا كروز أو بابا نويل»، ما اعتبره الأبناء إهانة تستدعي استخدامهم مهارات الملاكمة. حين وصل أبواه إلى بريطانيا، اسكنت بلدية لندن العائلة في «ضاحية توتنغ» جنوب العاصمة، التي اشتهرت بأحيائها السكنية متعددة الأعراق، إضافة إلى حضور «الفقر» و«التمييز العنصري» فيها، لينشأ صادق في بيت ضيّق، يضم 3 حجرات، ما اضطر والديه إلى استخدام الأسرّة ذات الطبقات لاستيعاب أفراد العائلة متنامية العدد، وهي سُنّة رافقت أغلب العائلات المهاجرة، التي سعت إلى تكوين نويّات عائلية كبيرة في المهجر لأسباب متعددة، من بينها زيادة دخلها عبر المساعدات الحكومية ومعالجة عقدة الإحساس بالوحدة والغربة. في سيرة النجاح، التي رافقت جزءاً من المهاجرين إلى الغرب، ثمة مشترك عام، يتركز حول مهنة المستقبل، وهي المهنة التي يسعى المهاجر للتأهل لها، وهو ما شغل صادق في مرحلته الثانوية، إذ سعى للتأهل لدراسة «طب الأسنان»، وهي من المهن المدرة للدخل المرتفع في الغرب عموماً، لكن تعليق أحد مدرّسيه غيّر من وجهة قاربه. مدرّس صادق وجد في التلميذ «ملكات النقاش والجدال والإقناع»، وهي ملكات تظل مقيدة- غالباً- بأغلال البيئات الثقافية التقليدية، التي من بينها البيئة الأسرية التي ينشأ فيها المهاجرون من الجيل الأول، لكنها سرعان ما تجد تعبيراتها في عدة اتجاهات «إيجابية وسلبية» خارج إطار الأسرة الصغيرة، وهو ما كان بالنسبة لهذا الباكستاني المهاجر. أصغى صادق لحديث أستاذه، الذي ختمه بالقول: «أنت بحاجة لتصبح محامياً بدلاً من طبيب أسنان»، ليترافق هذا مع متابعته لمسلسل درامي اسمه «LA Law»، دأب التلفاز على بثه، ويجسد الممثلون فيه شخصيات محامين يتبنون «قضايا إنسانية» و«يدافعون عن المظلومين»، وهو ما ألهم الشاب فكرة دراسة القانون وامتهان المحاماة. ذاتية الشاب خضعت لمنظومة مركّبة من المُؤثرات، من بينها نشأته في أسرة مسلمة متدينة، استطاعت- بتوظيف القيم الإسلامية السمحة- إثراء الدلالات العقلية لدى صادق، خاصة في جانب قيم العدالة والمساواة والتسامح والتعاون والحق في العيش الكريم، التي يتبناها الدين الإسلامي باعتبارها أصلاً قيماً سامياً. «الدين الإسلامي» و«نصيحة الأستاذ» و«البرنامج التلفزيوني»، وغيرها من مركبات اجتماعية محيطة، كالتمييز العنصري والفجوة الطبقية في بريطانيا ومشكلات المهاجرين، دفعت صادق نحو الانحياز المبكر إلى مجموعات الدفاع عن الحقوق المدنية والاجتماعية للطبقات الفقيرة، وقادته إلى الانتساب إلى حزب العمال البريطاني في سن مبكرة، وهو الحزب الذي طالما تبنى الديمقراطية الاجتماعية ومطالب الطبقات المسحوقة في مواجهة حزب المحافظين الغارق في «توحش الرأسمالية». التحق صادق بجامعة «نورث لندن» الحكومية، التي نال منها شهادة البكالوريوس في القانون عام 1994، متخذاً مهنته التي سيكمل بها الطريق، ليلتحق- تالياً- بمكتب للمحاماة بوصفه محامياً متدرباً في قضايا حقوق الإنسان، وهو التدريب الذي استمر 3 سنوات وقاده إلى التعرف برفيقة دربه، المحامية سعدية أحمد، التي صارت لاحقاً زوجته وأم ابنتيه أنيسة وأماراه. المفارقة، أن تلك المحامية، التي صارت زوجته، هي أيضاً ابنة «سائق حافلة»، وهي مفارقة تقود إلى استنتاجات عديدة حول مجتمعات- رغم الإقرار بما فيها من سلبيات ومشكلات- توفر بيئات عادلة وتضمن المساواة لأفرادها، بما يمكّنهم من اختراق واقعهم باتجاه مستقبل مأمول ومحبور. السيرة العملية لصادق خان تضمنت علامات بارزة من النجاح، فبعد سنوات التدريب استطاع تأسيس شركة محاماة خاصة مع المحامي كريستيان لويس، وأطلقا على شركتهما «كريستيان خان»، التي توسعت أعمالها لتضم 50 محامياً، وتخصصت في الدفاع عن حقوق الإنسان ومتابعة حقوق ضحايا التمييز، وهما القضيتان اللتان ظلتا حاضرتين في وجدانه مذ نشأته الأولى. «كريستيان خان» خاضت أقوى المعارك القانونية، في مجال حقوق الإنسان ومكافحة التمييز والعنصرية، التي شغلت الرأي العام البريطاني، وانحازت في قضاياها لصالح متضررين من مؤسسات كبرى كشرطة لندن وجامعة إكسفورد وحكومة بريطانيا، ومئات القضايا الأخرى، وهو ما توّج صادق خان كأفضل محامٍ في مجال الحقوق الأساسية في بريطانيا وأرجاء أوروبا. يقول صادق خان، في تصريحات صحفية، «عند ولوجي عالم المحاماة كان أمامي خياران، إما العمل في مجال قانون الشركات، حيث يمكن أن تصبح مليونيراً، وإما التخصص في قوانين حقوق الإنسان، وهو الذي اخترته». نجاحات صادق العملية رافقتها نجاحات متتابعة على مستويين خدمي وسياسي، وهو ما دفع صحيفة «الإندبندنت» (The Independent)، واسعة الانتشار، إلى وصفه بالرجل الذي «لا يخسر»، إذ استطاع الفوز بعضوية مجلس بلدية توتينغ في لندن وهو في سن 23 عاماً، واستمر في شغله 10 أعوام، ليُنتخب عام 2005 عضواً في مجلس العموم البريطاني، ومن ثم عيّنه رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردن براون مستشاراً لشؤون البرلمان عام 2007، ومن ثم وكيلاً لوزارة شؤون الجاليات والحكومة المحلية 2008، ثم وزيراً لشؤون النقل في حكومة الظل عام 2009، وصولاً إلى قيادته حملة زعيم حزب العمال إد ميليباند، أثناء الانتخابات الداخلية لزعامة الحزب في سبتمبر 2010. خاض صادق خان مواجهة مزدوجة للفوز بمنصب عمدة لندن، بدأت بفوزه في الانتخابات داخل حزب العمال على منافسته تيسا جويل، ومن ثم كسب الانتخابات (بـ 1.310 مليون صوت تعادل 56.8% من الأصوات) التي خاضها في 5 مايو 2016 ضد مرشح حزب المحافظين المليونير اليهودي زاك غولد سميث، الذي عمل صحفياً لفترة طويلة، وهو الفوز الذي اعتبر انتصاراً في مواجهة الرأسماليين والعنصريين الذين يتبنون انسلاخ بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي. في طريقه إلى مجلس العموم عام 2010، صوّب قادة حزب المحافظين اتهاماتهم باتجاه صادق خان، خاصة تبنيه قضايا أثارت جدلاً طويلاً، من بينها الدفاع عن متهمين بالإرهاب، كالدفاع عن زعيم «أمة الإسلام» «الحركة الزنجية القومية» لويس فرحان، وكذلك الدفاع عن أحد المنظمين لهجمات 11 سبتمبر 2001 عضو تنظيم القاعدة زكريا موسوي، والدفاع عن شاكر أمير المعتقل في سجن غوانتانامو، لكن هذه الاتهامات، التي سعت إلى ربط الرجل بـ «الإرهاب» و«الإرهابيين» عبر استغلال خصومه لما يعرف بـ «الإسلامو فوبيا» أخفقت في غايتها. في المنافسة على منصب عمدة لندن تبنى صادق شعارات طالما آمن بها، من قبيل «لكل اللندنيين» و«المساواة» و«العدالة»، دون أن يواري أصوله بوصفه مهاجراً من الجيل الأول، أو التنصل من انتمائه إلى الدين والمجتمع الإسلامي، اللذين يُجابهان بحملة شرسة من أحزاب اليمين، تجددت بعد سلسلة من الأعمال الإرهابية التي ضربت أنحاء متفرقة من أوروبا العام الحالي. عوامل عديدة قادت صادق خان إلى سدة لندن، من بينها طبيعة المكوّن الاجتماعي والإنساني لمدينة الضباب، التي تحتضن نحو 30% من غير البيض، ما يحيلها إلى مدينة من «مدن الغرباء»، وهي المدن القادرة على استيعاب التنوعات الثقافية والاجتماعية والقومية لسكانها وصهرهم في منظومتها دون استعدائهم، لكن هذا ليس بالعامل الوحيد، فحين تجد أحلام الطبقات الوسطى والدنيا من يتبناها، ويؤطرها في برنامج موضوعي قابل للتطبيق، تنحاز هذه الطبقات مصلحياً إلى أحلامها. ثمة أسئلة برزت هنا في العالم العربي، بعد الإعلان عن فوز المسلم المهاجر بسدة لندن، مفادها: ما المستقبل الذي ينتظر ابن سائق حافلة في بلداننا؟، وما المصير الذي سيواجهه مهاجر أتى إلى الشرق؟؛ في الحقيقة الإجابات تثير القلق، وربما الشفقة، إذ ليس من بينها: «لكل مجتهد نصيب»، ولم تكن من بينها تعبيرات «المساواة» و«دولة القانون»، وفي سخرية سوداء أجاب أحدهم: حتماً سيرث قيادة الحافلة!. عمدت المعالجات الإعلامية، في المنطقة العربية، إلى تقديم فوز صادق بوصفه «مسلماً»، وبعضها ذهب بعيداً في البحث عن «الطائفة» التي ينتسب إليها، ورغم أن العمدة الجديد يفخر بإسلامه، ويصف نفسه بـ «المتدين»، إلا أن الناخب البريطاني لم يفكر كثيراً بهذه المسألة، وكذلك الرجل، الذي لا يتوقف عن ترديد عبارة: «والدي كان سائق أتوبيس»، رغم أن والده توفي عام 2003. لندن، التي سيقودها صادق خان، مدينة كبيرة، يتجاوز عدد سكانها 9 ملايين نسمة، وتساهم وحدها بربع الناتج الإجمالي القومي البريطاني، وتبلغ ميزانيتها 17 مليار جنيه إسترليني (حوالي 24.5 مليار دولار)!. لا شك أن فوز صادق خان هو أنموذج يُحتذى للمهاجر، خاصة أولئك الذين لم يجيدوا تفهم البيئات الجديدة وتاهوا فيها، وأيضاً هو تعبير عن نمطية الدولة المنتجة للفرص، القادرة على تأطير الطاقات وصقلها وتوظيفها في مشروع النهوض الوطني، وكذلك هو مدعاة للرد على المتطرفين، الغربيين قبل غيرهم، ممن يستعدون الإنسان لدينه أو عرقه، كمرشح الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب، الذي قال بعد فوز صادق إنه «سيمنح عمدة لندن المسلم استثناء لدخول أمريكا»، ليرد عليه العمدة بالقول: «رؤيته جاهلة بالإسلام، وتهدّد أمن البلدين بسبب استعداء المسلمين المعتدلين، الذين يشكلون التيار الرئيسي في الإسلام، كما يمكن أن يستغلها الإرهابيون لصالحهم». صادق خان تجربة تستدعي التوقف عندها. خان وزوجته المحامية سعدية أحمد