يكتب كينج: «لنأخذ مثالا بسيطا لبنك لديه إجمالي أصول ومطلوبات تعادل 100 مليون دولار».
افترض أن لديه أصولا بقيمة 10 ملايين دولار على شكل احتياطيات في البنك المركزي، ومقتنيات بقيمة 40 مليون دولار من الأوراق المالية السائلة نسبيا، و50 مليون دولار على شكل قروض غير سائلة للشركات. إذا قرر البنك المركزي أن الخصم المناسب على الأوراق المالية السائلة كان 10 بالمائة و50 بالمائة على القروض غير السائلة، حينها قد يكون مستعدا لإقراض 36 مليون دولار مقابل الأولى و25 مليون دولار مقابل الأخيرة، شريطة أن البنك كان قد قام مسبقا بوضع أصوله كلها لتكون رهانا مقبوضة. في هذه الحالة سوف تكون الأصول السائلة الفاعلة للبنك (10+36+25) مليون دولار، التي يبلغ مجموعها 71 مليون دولار. وهذا يعني أنه سيتوجب عليه تمويل نفسه بما لا يزيد على 71 مليون دولار من الودائع والسندات قصيرة الأجل.
يبين هذا المثال واحدا من التأثيرات الكبرى لقاعدة كينج: فمن شأنها تشجيع البنوك على تمويل نفسها بكمية أكبر من رأس المال والسندات طويلة الأجل مما لديها الآن. كما أن من شأنها أن تثني هذه البنوك عن المشاركة في الكثير من أنشطة المضاربة غير المجدية اقتصاديا، لأنها سوف تتكبد الثمن كاملا لهذا النشاط على شكل خصومات على المبالغ الموضوعة كرهان. مع وجود تلك الخصومات، فإن البنوك تدفع مقدما ثمنا عادلا للتأمين على السيولة (لكن دون أن تتكبد مبلغ التأمين بالفعل). بهذه الطريقة سوف تختفي الحوافز الموجودة الآن (التي تغذي رغبة البنوك في زيادة حجمها) والتي تثير قلق الناس- لأنه كلما زاد حجم البنوك، زادت احتمالية أن تحتاج للإنقاذ. بالتالي مع اختفاء الحوافز فلن تكون هناك أية عمليات إنقاذ. وفي حال انهيار البنك، فلن تكون هناك حاجة لأن يتدافع المودعون لسحب أرصدتهم، لأن جميع الودائع ستكون مدعومة من الضمانات الحكومية. وجميع الخسائر سيتحملها المساهمون والدائنون لأجل طويل. قاعدة كينج من شأنها أن تعيدَ الناس في قطاع التمويل إلى المكان الذي ينتمون إليه: في سوق يكون فيها الفشل ممكنا كما هو في بقية أجزاء الاقتصاد. والسمة التي ربما ستحظى بالقيمة الأكبر في نظر سوق الأسهم هي السلامة. وعلى الأرجح سوف ينتهي الحال بالبنوك لتصبح أقل ربحية وأكثر إملالا. لكن حيث إن الأمرَ يُترَك للسوق لتقرر الطريقة الأفضل لهيكلة وتنظيم الأجزاء الأكثر خطورة في عمليات البنوك، فسوف تكون هنالك حوافز تدفعها للتحسين والابتكار.
في هذه الصفقة، يمكن أن يكون البنوك أبسط بكثير من حيث القوانين التنظيمية التي توضع لها. «لن تكون هنالك أية عمليات إنقاذ مرعبة خلال عطلة نهاية الأسبوع، ولا أية روايات عجيبة لإعادة سردها في مذكرات لاحقة». بِجَرَّة قلم، سوف تحل قاعدة كينج- التي يقترح بأن من الممكن تنفيذها تدريجيا خلال عقد من الزمن مثلا- مكان آلاف الصفحات في التنظيم المالي غير المفهوم. كما أنها يمكن أن تعمل على توسيع دور مسؤولي البنوك المركزية، لكن في الاتجاه الذي كانت تسلكه منذ حدوث الأزمة. بدلا من الإقراض بشكل نشط مقابل رهان ذات قيمة مبالغ فيها خلال الأزمة المقبلة، يتعهد البنك المركزي بأن يقوم بعمليات الإقراض بهدوء مقابل رهان ذات قيمة عادلة.
بالطبع، من المحتمل أن المسؤولين عن تقييم الضمانات في البنك المركزي سوف يتعرضون لضغوطات سياسية تدفعهم لأداء العمل بصورة سيئة- بمعنى تقييم الرهان بشكل أكبر من قيمتها الفعلية، على سبيل المثال، أو تفضيل أنواع معينة من الرهان دون غيرها. يكتب كينج: «لكن في الأوقات العادية يكون مسؤولو البنوك المركزية في وضع أقوى يمَكِّنهم من مقاومة مثل تلك الدعوات مما لو تعرضوا للضغط بعد حدوث الأزمة». بالإضافة إلى ذلك، كل ما تحتاجه البنوك المركزية هو أن تكون على صواب تقريبي ويسعون لارتكاب خطأ على الجانب المحافظ- وأن تتجاهل جميع الحجج التي تقول إن المنظمين الحكوميين لا شأن لهم بالتدخل في الشؤون الخاصة للبنوك الكبرى. كما يكتب أيضا: «في خضم الأزمة في أكتوبر من العام 2008، تولت البلدان مسؤولية جميع التزامات وديون النظام المصرفي العالمي. وذلك الإنقاذ الحكومي لا يمكن نسيانه بسهولة وكأن شيئا لم يكن. عندما تأزمت الأمور، القطاع ذاته الذي اعتنق مزايا انضباط السوق سُمِح له بالاستمرار فقط بفضل دعم دافعي الضرائب».
يقول كينج أيضا أشياء أكثر من ذلك، وينبغي عليكم حقا قراءة هذا الكتاب. إن فعلتم ذلك، سيتولد لديكم إحساس بأن شخصا ما لديه معرفة كبيرة في المشاكل العميقة في نظامنا المالي يحاول بالفعل حل تلك المشاكل. في أعقاب الأزمة، من المثير للاهتمام كمية الطاقة التي تم إنفاقها على ما يبدو لإصلاح المشكلة دون التصدي لها وجها لوجه. ورغم تأوهات الألم الصادرة عن كبار المصرفيين لدينا بسبب التقليص من أوضاعهم، إلا أنهم لا يزالون يلعبون مع بقية المجتمع لعبة قطعة العملة عندما نقذف بها لتحديد الفائز ونختار بين وجه القطعة وظهرها، ويقولون (إذا وقعت العملة على الوجه أفوز أنا، وإذا وقعت على الظهر أنت تخسر).
ربما لن تكون أحوالهم طيبة كما كانت من قبل فيما وقعت قطعة العملة على وجهها، وربما لن تكون خسارتنا بالغة إذا وقعت على ظهرها، لكن اللعبة في الواقع لم تتغير كثيرا. يعتقد محافظ سابق في بنك إنجلترا أننا نحتاج لتغيير العلاقة ما بين مصارفنا ومجتمعنا، وبسرعة. سوف يصبح معظمنا أفضل حالا إن أخذنا بتلك النصيحة.
مايكل لويس هو مؤلف عدد من الكتب الرائجة، منها كتاب «الأولاد اللامعون: ثورة وول ستريت».