المشاكل الاقتصادية في جنوب أوروبا عميقة ومؤلمة، ولكنها ليست عصية على الحل. البعض منها آخذ بالفعل في أن ينحل. ومن الأمثلة على ذلك: إيطاليا، التي بدأت في النمو مرة أخرى بعد أن مرت بركود مؤلم.
ثم هناك اليونان، التي يبدو أنها تتجه نحو جولة جديدة من المتاعب. على الرغم من ديونها الساحقة والبطالة المضرة والأمراض الاقتصادية، الإصلاحات - أو عدمها - تبقى سياسية.
من المفيد دائما الخروج من تحت أضواء الفلورسنت للحصول على نظرة مباشرة على الاقتصاد المحلي. فقمت بذلك أثناء حضوري مؤتمرا ومناسبات أخرى في الأسبوع الماضي في جنوب أوروبا. وفيما يلي ما سمعت ورأيت.
من الواضح أن اليونان لا تزال دولة تعاني ضائقة مالية عميقة. لديها أكبر عجز في الميزانية في أوروبا، بنسبة 7.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وتدفع تقريبا أعلى معدلات الفائدة في العالم لسداد ديونها. حصلت اليونان على الكثير من الائتمان بشروط ميسَّرة خلال الأوقات الجيدة، ولكن الآن قد حان وقت استحقاق فاتورة الحساب. ليس بإمكانها السداد ولا حتى أن تعسر وتشهر إفلاسها ثم تبدأ من جديد. اليونانيون الذين تحدثت معهم يلومون ألمانيا ويتهمونها بأنها هي السبب في عدم قدرة بلادهم على الخروج من تحت عبء الديون. لديهم وجهة نظر، على الرغم من ان اليونان نفسها تتحمل قدرا كبيرا من اللوم.
واجهت مفاجأتين في اليونان، إحداهما محبطة نوعا ما، والأخرى مليئة بالأمل. الأولى، في أزمة الديون المستمرة منذ ست سنوات، تم إحراز تقدم ضئيل جدا نحو الإصلاح الاقتصادي. يعاني القطاع الخاص عدم وجود نمو. ويعاني القطاع العام نقصا في الإيرادات بسبب التهرب من دفع الضرائب المتوطن والذي يضاعفه انعدام النمو.
وكانت المفاجأة الثانية هي الطاقة وحماسة طبقة أصحاب المشاريع في البلاد. اليونان كما يصورها خصومها - أمة من الكسالى الذين يدخنون عدة سجائر بشكل متسلسل ويشربون الأوزو - هي صورة مبتذلة تستحق أن تُقذَف في سلة المهملات. الناس الذين التقيتُ بهم - وعلينا أن نعترف بأنهم لا يمثلون الجميع - هم أذكياء ومتحمسون ويشعرون بالإثارة حول ما يخبئه المستقبل، على الرغم من الكثير من التحديات التي تواجه البلاد.
ولكن إلى أن يتم حل أزمة الديون في اليونان، الأمر الذي لن يكون سهلا بسبب حكومتها المختلة وظيفيا، لا تلوح في الأفق نهاية للمشاكل الاقتصادية. وهذا بدوره يعني أن اليونان من المرجح أن تكون عبئا على الاقتصاد الجنوبي الأوروبي في المستقبل المنظور.
إيطاليا هي صورة أكثر إشراقا بعض الشيء. رابع أكبر اقتصاد في أوروبا (بعد ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا - وقبل روسيا)، الذي تزيد قيمته على 2.1 تريليون دولار، يشكل تقريبا 3.5 في المائة من الاقتصاد العالمي. واقتصادها ينمو مرة أخرى، على الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي لا يزال يشكل ربع تريليون دولار دون أعلى مستوى سجله عام 2008.
الاقتصاد في شمال إيطاليا متنوع وتهيمن عليه شركات صغيرة ومتوسطة مملوكة لأفراد أو عائلات، والكثير منها تركز على السلع الاستهلاكية الراقية وذات الجودة العالية، (الجنوب يميل إلى أن يكون زراعيا ويعتمد على الدعم الحكومي). هذه القاعدة التجارية هي مصدر للاستقرار، ولكنها أيضا تشكل عائقا كبيرا. كثير من الشركات لديها مشاكل تتعلق بالتوريث، وانخفاض الإنتاجية، ومحدودية فرص الحصول على رأس المال. وعلى الرغم من أن مدنا مثل روما وغيرها من الوجهات السياحية الأخرى تعتبر مزدهرة، إلا أن لدى بقية إيطاليا نموا ضئيلا أو معدوما، حيث إن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عالق عند مستويات عام 1999.
مثل اليونان، لدى إيطاليا اقتصاد نقدي مزدهر، والكثير منه يهدف إلى تجنب الضرائب. ولكن التهرب لا يقترب ولو من بعيد من الفن الرفيع الموجود في اليونان. بطاقات الائتمان هي موضع ترحيب في كل مكان، وتقريبا لم أشاهد أية علامات في محلات التجزئة تقدم خصومات مقابل أن يدفع الزبائن نقدا. المعاملات الالكترونية هي عدو السوق السوداء.
مؤخرا، في عام 2006، كان لدى كل من إيطاليا واليونان نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ نحو 100 في المائة. منذ الأزمة المالية، ارتفعت نسبة إيطاليا إلى 130 في المائة، في حين أن نسبة اليونان ارتفعت إلى 180 في المائة. (للمقارنة، نقول إن المتوسط في الاتحاد الأوروبي هو حوالي 87 في المائة، في حين أن الولايات المتحدة هي 104 في المائة).
في مرحلة ما، يصبح الدين عبئا على النمو، كما كتب الاقتصاديان كارمن راينهارت وكينيث روجوف في كتابهما «الأمر مختلف هذه المرة: ثمانية قرون من الحماقة المالية». يبدو أن اليونان هي الآن في هذه المرحلة. هل إيطاليا كذلك؟ ربما. سوف نعرف ذلك فيما بعد.