يبدو أن تطبيقات مثل الأنستقرام والسناب شات قد لامست وترا حساسا في ذوات البعض من المصابين أصلا بداء «الفشخرة» و«الهياط» وحب المظاهر، ومهّدتْ لهم الطريق لاستعراض ما يعتقدون أنه سرّ تميّزهم عن الآخرين، لا.. بل علّقتْ لهم الحبال لنشر غسيل أمراضهم في الإعلام الجديد، ليسهموا في مسخ صورة المجتمع التي مسخها البعض قبل هذه التقنيات بالحسد والغيرة، ليجدوا ضالتهم في الاستدلال على إدانته بالسطحية والمظاهر الكاذبة بهذه الأنماط في بعض مقاطع الأنستقرام والسناب، ومن قبل أسماء معروفة.
لستُ ضد هذا الانكشاف، حتى وإن نال منا الآخرون من خلاله، أو هاجمونا عبر ثغراته، بل ضد ادّعاء الخصوصية التي طالما أغوتنا وألهتنا عن معالجة مشكلاتنا كمجتمعات بشرية لا تختلف عمّا سواها، وأوهمتنا أننا ظل الله في أرضه، وأن كل تصرّف ممقوت إنما هو «دخيلٌ على مجتمعنا» هكذا وفق تلك الصيغة الهروبية البغيضة التي صنعناها وصدّقناها، وجعلنا منها مظلة نخفي تحتها رؤوسنا كلما ظهر بيننا ما نعتقد أننا مطهرون منه بحكم الانتماء للمكان.
قد يبدو هذا الكلام قاسيا بعض الشيء، وقد يراه البعض الآخر من قبيل جلد الذات، لكن الظواهر التي تمر بها مجتمعاتنا تحتاج في تقديري ألا نتردد في مواجهتها حتى لا تتكرس كقاعدة تربية للأجيال القادمة، هذه مصيبة لو حدثتْ، لأنه «كمثال» حينما يظهر أحدهم في مشهد سناب، وهو يعاتب نفسه على «معصية» إطالة ثوبه، وهي قضية صغيرة في تراتبية الالتزامات الدينية، ليقدم نفسه بصورة الرجل الورع الذي يضاهي بورعه أنبغ الزهاد، ثم قبل أو بعد ذلك بقليل يظهر في سنابات أخرى، وهو يستعرض سياراته المليونية الفارهة، ويشرح لنا كيف أن إحداها لم ترق له، لأنها يجب أن تخضع للتعديل في ألمانيا لتناسب ذوقه الخاص، دون أن يُحدد طبيعة هذا الذوق، حيث يحمّل سكرتيره مسؤولية محاكاة ذوقه، على اعتبار أنه مستعد للتعديل المرة تلو الأخرى مهما كلف الأمر، طبعا فلوسه وهو حرٌ فيها هكذا سيقول البعض، وهذا صحيح، لكن من حقنا بعد طرح هذه المظاهر على الساحة أن نقابل مضامينها الباذخة بمعصية إطالة الثوب، وهذا حتما ليس هو المشهد الأخير، ولا هو الطامة الكبرى بين من يغتسلون بدهن العود عوضا عن الماء، في أبشع محو لذاكرة حلف المطيّبين، ومن يتلفون الثروة الحيوانية مقابل حيازة صفة الكرم ولو عبر قصيدة تفوح بكل ألوان النفاق، إلى غيرها من المشاهد الرعناء التي تكتظ فيها ساحة الإعلام الجديد، وتستثير أعلى درجات السخط، لأنها تضرب القيم في الصميم بإصرار أصحابها على الجمع بين الورع والبذخ، والتعفف والرياء، والنبل والحماقة، فيما أعتقد أنه الفصل الأول في مسرحية نزع الأقنعة.