هل أدلك على خصلة تُجِمل ما لديك من خصال، وتستر ما عندك من عيوب؟ إنها خصلة يحبها الله ويحبها الناس، وهي: الجود أو الكرم أو السخاء، فكلها من المعاني المتقاربة.
يقول الشافعي رحمه الله:
وإن كثرت عيوبك في البرايا وسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيب يغطيه كما قيل السخاء
والجُود في أصل معناه: المطر الغزير، ومن هنا عرف العلماء الجود بأنه (صفة تحمل صاحبها على بذل ما ينبغي مِن الخير لغير عوض) تماما كما هو حال المطر حين يهطل على الناس دون أن يطلب منهم مقابل.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله كريم يحب الكرماء، جواد يحب الجود، يحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها».
وقد قدم رسولنا النموذج الأرقى في الجود، كما يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: (كان رسُولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- أجود الناسِ، وكان أجودُ ما يكُونُ فِي رمضان حِين يلقاهُ جِبرِيلُ، وكان يلقاهُ فِي كُلِ ليلةٍ مِن رمضان فيُدارِسُهُ القُرآن، فلرسُولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- أجودُ بِالخيرِ مِن الرِيحِ المُرسلةِ) أخرجه البخاري ومسلم.
وتستطيع أن تكون جوادا، وإن كان لا مال لك فبوسعك أن تنفق من جهدك أو من علمك فإن عجزت عن ذلك كله فليسلم الناس من أذاك، وهذه خيارات طرحها الرسول في حديث أبي موسى الأشعري فِي الصحِيحينِ عن النبِيِ -صلى اللهُ عليهِ وسلم- قال: «على كُلِ مُسلِمٍ صدقة قِيل: أرأيت إن لم يجِد؟ قال: يعتمِلُ بِيديهِ فينفعُ نفسهُ ويتصدقُ قال: أرأيت إن لم يستطِع؟ قال: يُعِينُ ذا الحاجةِ الملهُوفِ قال: قِيل لهُ: أرأيت إن لم يستطِع؟ قال: يأمُرُ بِالمعرُوفِ أو الخيرِ قال: أرأيت؟ إن لم يفعل قال: يُمسِكُ عن الشرِ فإِنها صدقة».
ولا يعني الجود بعثرة المال على كل راغبيه، بل لا بد من توخي أصحاب الحاجات، ومراعاة الأولويات، وقد كان جوده -صلى الله عليه وسلم- إما لفقير أو محتاج، أو يتألف به على الإسلام، وكان يؤثر حاجات المسلمين على رغبات أهله، وذات مرة شكت إليه فاطمة ما تلقى من خدمة البيت، وطلبت منه خادما يكفيها مؤنة بيتها، فأمرها أن تستعين بالتسبيح والتكبير والتحميد عند نومها، وقال: «لا أُعطِيكِ خادِما، وأدعُ أهل الصُفةِ تُطوى بُطُونُهُم مِن الجُوعِ...».
وحث صلى الله عليه وسلم على رعاية الأرامل واليتامي فقال: «الساعي على الأرملةِ والمِسكِينِ كالمُجاهِدِ فِي سبِيلِ اللهِ، أوِ القائِمِ الليل الصائِمِ النهار».
ومن الجود في مثل هذا الشهر الكريم تفطير الصائمين، قال صلى الله عليه وسلم: «من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء) رواه أحمد.
كذلك لا يعني الجود الإسراف في الإنفاق، وثمة عبارة مشهورة (حد الجود بذل الموجود)، وهي عبارة فاسدة إذا كانت تعني إنفاق كل ما في حوزة الشخص، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله، (وليس كما قال بعض من نقص علمه: حد الجود بذل الموجود، ولو كان كما قال هذا القائل لارتفع اسم السرف والتبذير، وقد ورد الكتاب بذمهما).
أمتُنا اليوم وهي تُعاني الحروبِ والفتنِ أحوجُ ما تكونُ لإحياء معاني الجود والعطاء لتدارك مآسيها، ومن أكبر المآسي الإنسانية فيها مشكلة اللاجئين في عالمنا.
وتحيي الأمم المتحدة في 20 يونيو القادم اليوم العالمي للاجئين في إطار مساعيها لتسليط الأضواء على ظاهرة اللجوء والنزوح الناجمة عن الأزمات والحروب التي تعصف بمناطق مختلفة من العالم.
وتقدر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عدد اللاجئين والنازحين داخليا في مناطق العالم المختلفة بنحو 51.2 مليون شخص على مستوى العالم، بينهم ثلاثة ملايين لاجئ سوري، و6.3 مليون من النازحين السوريين داخل بلادهم، وتمثل أزمة اللاجئين السوريين أكبر أزمة نزوح للسكان في العالم الآن.
إن أحب الأعمال إلى الله تفريجُ الكرب كما جاء في الحديث: «سُرور تُدخله على مؤمِن، تكشف عنه كربا، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا»، رواه البيهقي.
ولنحذر من البخل والشح، فلا خير فيه ولا في أهله، وحسبنا قول ربنا: «ولا يحسبن الذِين يبخلُون بِما آتاهُمُ اللهُ مِن فضلِهِ هُو خيرا لهُم بل هُو شر لهُم سيُطوقُون ما بخِلُوا بِهِ يوم القِيامةِ» آل عمران: 180.