يقف جامع أحمد بن طولون بين أهم الآثار الإسلامية التي لا تزال شامخة حتى اليوم، وهو إلى جانب جامع عمرو بن العاص وجامع العسكر من أقدم المساجد التي أقيمت في مصر.
يقع هذا المسجد الهائل المساحة شرق حي السيدة زينب جنوب القاهرة، في مدينة القطائع التي أنشأها أحمد بن طولون لتكون معسكراً لجنده ومقراً لحكومته، وقد سميت القطائع نسبة إلى أنه قسم المدينة إلى قطع، أعطى كل جماعة من جنده قطعة خاصة بهم لسكناهم.
شرع ابن طولون في بناء هذا المسجد عام 263 هـ، واكتمل بناؤه عام 265هـ، وفقاً لما جاء باللوحة المثبتة على إحدى دعامات إيوان القبلة في المسجد، وتخطيطه مماثل لمسجد سامراء الجامع، حيث تتصف عمارة كل من المسجدين بالصفات الدفاعية، إضافة إلى المئذنة الملوية، وقد توالت أعمال التجديد والبناء في جامع ابن طولون، ولكنه لا يزال محتفظاً إلى اليوم بهيئته الأصلية، سواء في هيكله العام أو تفاصيله المعمارية.
تميزت الهيئة المعمارية للمسجد بالبساطة ولم يظهر الاهتمام بتشكيل الواجهات الخارجية خلال هذا العصر كما لم يظهر الارتباط بين تشكيل الواجهات الخارجية والفراغات الداخلية والتي تميزت بالغنى في الزخارف والنقوش الجصية.
بني المسجد على جبل «يشكر» وهو ربوة صخرية مرتفعة، مما جعله بمنأى عن الفيضانات وأعطاه أساساً صخرياً، وقد جاءت الزيادات حول المسجد في مستوى منخفض عن مستوى الجامع وربما يرجع ذلك لطبيعة الموقع ومحاولة الاستفادة من تدرج الموقع.
طول جامع أحمد بن طولون 138 متراً، وعرضه 118 متراً تقريباً، يحيط به من ثلاث جهات (الشمالية والغربية والجنوبية) ثلاث زيادات عرض كل منها 19 متراً على وجه التقريب، مكونين مع الجامع مربعاً طول ضلعه 162 متراً، ويتوسط الزيادة الغربية الفريدة في نوعها مئذنة الجامع، والتي لا يوجد مثيل لها في مآذن القاهرة، وهي ملوية على طراز ملوية جامع سامراء بالعراق، ويبلغ ارتفاع المئذنة عن سطح الأرض (40،44م). يتكون المسجد من أربع ظلات (اي اروقة) أكبرها ظلة القبلة، وجاءت الظلات في شكل مستطيل، وهو ما يتناسب مع شكل صفوف الصلاة، وصحن المسجد فسيح وشاسع تطل عليه البوائك من كل ناحية، إذ يحيط به بيت الصلاة، وتتوسطه قبة كبيرة.
جوف بيت الصلاة يتكون من خمسة أساكيب (اي الاروقة العرضية ) تقوم على عقود مدببة، ترتكز على دعائم ضخمة من الآجر، وعدد أروقته الممتدة من الصحن إلى جدار القبلة 17 رواقاً، كلها على نفس النسق مما يعطي بيت صلاة المسجد جمالا فريداً، وقد أقيمت في أركان الدعائم أعمدة محلاة بالزخارف، وغطيت العقود بزخارف جصية متنوعة.
ويتوسط جدار القبلة المحراب الكبير الذي لم يبق من معالمه الأصلية سوى تجويفه والأعمدة الرخامية التي تكتنفه، كما توجد بأعلى الجزء الواقع أمام المحراب قبة صغيرة من الخشب، تحيطها شبابيك جصية مفرغة مشغولة بالزجاج الملون، وإلى جانب المحراب يوجد منبر مصنوع من الخشب على هيئة أشكال هندسية تحصر بينها حشوات محلاة بزخارف بارزة.
وبتحليل الواجهات الداخلية لمسجد ابن طولون وجد أن الطاقات التي عملت ضمن العقود لتخفيف الأوزان عنها، شكلت مع أطر الزخارف الجصية والنباتية والهندسية وحدة في التشكيل الفراغي الداخلي، وقد اتسم الفراغ الداخلي عموماً بالغنى والزخارف الجصية، .