لكي نفهم داعش فلا بد من التخلص من فكرة نظرية المؤامرة. فمعظم المنظمات المسلحة التي تحارب الآخر مهما كان تبدأ بفكر يغلب عليه تحرك مسلح ومن ثم تتحول الحركة إلى فكر أيدلوجي من الممكن أن ينتشر أو ينكمش. وقد لا يحتاج من يتبنى الفكر إلى آلة إعلامية أو تجييش، بل ان الكثير لديه القابلية لأخذ الأيديولوجية لأسباب كثيرة. ومثال على ذلك هو أن بعضا من شباب الخليج قبل عدة عقود تبنى فكرا متطرفا أو يساريا أو شيوعيا أو ناصريا أو قوميا لدرجة أن هؤلاء من شباب الخليج ولكنهم انخرطوا في نزاعات كانت تهدد وحدة دولة خليجية وأمنها ونظامها السياسي. فهل غسل أحد أدمغة هؤلاء الشباب أو أجبرتهم دول على الدخول في نزاع مسلح ضد دولة خليجية أم أنهم كانوا جاهزين أيديولوجيا لتبني هذه الأفكار.
ولا ننسى أخطر جاسوسة أمريكية وهي (آن مونتي) التي عملت لصالح كوبا ليس بهدف المال أو الشهرة ولكن لسبب أيديولوجية تبنتها بسبب عدم رضاها عن السياسة الأمريكية في أمريكا الجنوبية والوسطى. وداعش في الحقيقة وباختصار شديد لضيق المساحة هو أنها امتداد لفكر تطغى عليه أفكار هي في الحقيقة أحلام اليقظة. ولكنها وجدت بيئة خصبة لأشخاص مثل مصعب الزرقاوي الذي استغل أعضاء من حزب البعث ومن ثم تمدد الفكر الأيديولوجي ليكون وكأنه يحارب من يعتبرهم أعداء الإسلام في وقت الكثير من دول المنطقة تفتك بها القلاقل و بمساعدة واضحة من أشخاص يحملون نفس الفكر ودول ومنظمات استغلت الوضع لصالحها. وهذا أمر طبيعي. وقد رأينا كيف أن قوات الفيتكونغ تدعمها الصين من أجل محاربة أمريكا
وروسيا شجعت تشي غيفارا نكاية بأمريكا. وبسبب ذلك ترى ان شابا صغيرا في أصقاع الأرض يقوم بعمل إرهابي أو قتل فقط لأنه يحمل فكرا داعشيا تماشى مع أيديولوجيته التي يؤمن بها حتى دون أن يذهب إلى مراكز النزاع أو يلتقي بقياداتهم. وهذا ما يعقد الأمور لتقوم دول أو منظمات باستغلال هذا التوجه لمصلحتها حتى لو كانت أيديولوجية الدولة تختلف عن تفكير المنظمة التي تدعمها. وللعلم ففي وجود اي نزاع أو حرب تقوم الكثير من الدول بدعم أي منظمات مسلحة لاسباب كثيرة ولكن هذه المنظمات تختفي بمجرد انتهاء الحرب أو النزاع مثل الفيتكونغ الفيتنامية أو الكونترا في أمريكا الوسطى. ولكن إذا تحول أسلوب المنظمة أو العصابة من حركة مسلحة إلى فكر إيديولوجي مثل ما حصل لفترة مع القاعدة وحاليا مع داعش فالتجنيد سيستمر والدعم سيأتي لأي أسباب سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو ايديولوجية. ومن الواضح في الوقت الحالي أن داعش أصبحت منظمة إرهابية تحمل إيديولوجية تتمثل بأنها ضد المستعمر أو ضد من يعادي الإسلام أو ضد الظلم. ولهذا تجد شابا أو فتاة من صغار السن لديهم المخاطرة بكل شيء لكي ينضموا لداعش في وقت لا يعلمون من يحرك داعش سوى ان أفكار داعش المعلنة تدغدغ مشاعرهم.