كان القدماء يسمونها شجرة الحياة، فهل نحن في هذا الزمن نعرف من هي شجرة الحياة.. أو ما هي شجرة الحياة؟ إنها بكل فخر (النخلة) ومن أغرب ما ذكره المؤرخون عن هذه النبتة الأسطورية ما قاله الأستاذ/ فهد الهوشان قال: (اهتم العرب في العصر الجاهلي اهتماما كبيرا بالنخيل وذكروه في روائع أشعارهم وأشهرها المعلقات أو المذهبات التي كتبت بماء الذهب وعلقت على أستار الكعبة المشرفة وخلدها الزمن، ولم يترك الشعراء جزءا من النخلة إلا ذكروه وذلك لاعتماد حياتهم عليها، في غذائهم وحاجاتهم الأخرى)، وأضاف الباحث في ذلك قوله: وكان تبصير البصرة في سنة أربع عشرة، قبل الكوفة بستة أشهر، وكان أبوبكرة أول من غرس النخل بالبصرة، وقال هذه أرض نخل ثم غرس الناس بعده.
وقد أشار ابن الكلبي وغيره من القدامى إلى المواضع التي قدسها الجاهليون، لوجود الأشجار المقدسة فيها، ومنها نخلة نجران.. وهي نخلة عظيمة كان أهل البلد من الأعراب يتعبدون لها، ولها عيد في كل سنة، فإذا كان العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه، وحلى النساء، فخرجوا إليها يوما وعكفوا عليها يوما، وأما الدافع إلى عبادتها فهو ضخامتها وقوتها وثمرها الكثير ونفعها الغزير.
ولقد اعتنى بها الأقدمون حبا واحتراما ولما جاء عصر المأكولات المستوردة والفواكه التي تعبر البحار والجبال بل تعبر القارات لم ينس العربي الأصيل أمه النخلة أو كما يقولون عنها إنها عمته النخلة.
بل أحبوها وتغزلوا فيها من سعفها إلى جذورها.. وحلقوا بها في فضاء الرومانسية فهذا الشاعر الشاب المثقف الأستاذ/ حسن الربيح ينام ويصحو على حبها والتلذذ بمرآها البديع الذي يشعرك بقدرة الخالق وتوحيده.
حسن الربيح شاعر نبت في بلدة الطرف.. نعم نبت بجوار نخلة وترعرع في ظلها وشرب من جدول ماء كان يجري من عين (برابر) بالهفوف إلى الطرف وأكل من رطبها وتمرها وجمارها وتكونت خلايا جسمه من هذه النبتة الأصيلة، فما أن تفتحت براعمه الشعرية حتى صدح يغازلها ويرصد جمالها وجمالياتها فها هو يدندن ويوشوش في أذنيها:
في الليل، ترتاد الكواكب مسجدا... فالنجم أدعية.. توقده الصدى
تتبتل السعفات، حتى تختفي... فيها، ولولا الآه، لانسابت مدى
حتى إذا اندفق الصباح، بلهوه... راحت تهيئ للبلابل منتدى
شاعرنا الشاب تألق في وصف النخلة بهذه المناجاة الحانية حيث تغيب الشمس في الليل ورصدها وقت بزوغ النهار واندماج الصباح.
واستطاع أن يجعل هذه الشجرة المباركة تحتفي بالبلابل الصباحية وتهيئ لها منتدى. ومن تمشى ولو هنيهة زمن بين النخيل وقت بزوغ الشمس سيرى ويسمع تغريد البلابل وكيف يكون عزفها جوقة صوتية تارة ومرة يأسرك ويسامرك العزف المنفرد للبلبل الحساوي الجميل صوتا ولونا، وما أجمل الشاعر حسن حين قال:
خلعت عليها الطير، من أشواقها... غزلا بلون الماء، ندعوه: ندى
وتكاد تنزع جذرها، من خفةٍ... لتلاحق الفرح الذي قد عربدا
لقد صنعت من هذا الشاب شاعرا تفرد بهذا الوصف الدافئ الجميل ولقد وُفق في قوله: رقصت بوجه الريح ولم يقل صمدت بوجه الريح ومثله كلمة تبرجت.. وما أجمل هذه الاستعارة (عابرة) في الليل لكنها لم تنس الغدا.
رقصت بوجه الريح، كل صباحنا... رقصا، ومدت تحت أذرعنا يدا
وتبرجت صحوا، تبرج فتنةٍ... هوجاء، لم تترك لناظرها هدى
عجبا لعابدةٍ، تنسك قلبها... في الليل، لكن لم تكن تنسى الغدا!
ويكفي هذه النبتة المباركة أن ألغز بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: إنها شجرة مثل المؤمن لا يتحات ورقها إنها النخلة.. إنها الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء. ورحم الله القائل في النخلة:
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا... يؤذى برجم ويعطى خير أثمار.